قوله تعالى ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (٤) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (٥) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (٦) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
( بسم الله ) ذي الجلال والإكرام ( الرحمن ) الذي كملت نعمته فشملت الخاص والعام ( الرحيم ) الذي أتمها بعد العموم على أوليائه فأسعدهم بإتمام الإنعام.
لما ختمت التطفيف بأن الأولياء في نعيم، وأن الأعداء في جحيم ثواباً وعقاباً، ابتدأ هذه بالإقسام على ذلك فقال :﴿إذا السماء﴾ أي على ما لها من الإحكام والعظمة والحكمة الذي لا يقدر على مثلها غيره جلت قدرته ﴿انشقت﴾ أي فصارت واهية وفتحت أبواباً فتخربت وتهدمت، وذلك بعد القيام من القبور كما مضى في الحاقة عن إحدى روايتي ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ ﴿وأذنت﴾ أي كانت شديدة الاستماع والطواعية والانقياد على أتم وجه كمن له أذن واعية ونفس مطمئنة راضية ﴿لربها﴾ أي لأمر المخترع لها والمدبر لجميع أمرها، وهي الآن وإن كانت منقادة فانقيادها ظاهر لأكثر الخلق وهم المثبتة، وأما المعطلة فربما نسبوا تأثيراتها إلى الطبائع والكواكب وأما عند الانشقاق فيحصل الكشف التام فلا يبقى لأحد شبهة ﴿وحقت﴾ بالبناء للمفعول بمعنى أنها مجبولة على أن ذلك حق عليها ثابت لها، فهي حقيقة به لأنها مربوبة له سبحانه، وكل مربوب فهو حقيق بالانقياد لربه، وهي لم تزل مطيعة له في ابتدائها وانتهائها، لكن هناك يكون الكشف التام لجميع الأنام.