التأويل حسن استعمال حرف إلى ههنا وثالثها : يحتمل أن يكون دخول إلى على معنى أن الكدح هو السعي، فكأنه قال : ساع بعملك ﴿إلى رَبّكَ﴾ أما قوله تعالى :﴿فملاقيه﴾ ففيه قولان : الأول : قال الزجاج : فملاق ربك أي ملاق حكمه لا مفر لك منه، وقال آخرون : الضمير عائد إلى الكدح، إلا أن الكدح عمل وهو عرض لا يبقى فملاقاته ممتنعة، فوجب أن يكون المراد ملاقاة الكتاب الذي فيه بيان تلك الأعمال، ويتأكد هذا التأويل بقوله بعد هذه الآية :﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابه بِيَمِينِهِ ﴾.
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (٩)
فالمعنى فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً﴾ وسوف من الله واجب وهو كقول القائل : اتبعني فسوف نجد خيراً، فإنه لا يريد به الشك، وإنما يريد ترقيق الكلام.
والحساب اليسير هو أن تعرض عليه أعماله، ويعرف أن الطاعة منها هذه، والمعصية هذه، ثم يثاب على الطاعة ويتجاوز عن المعصية فهذا هو الحساب اليسير لأنه لا شدة على صاحبه ولا مناقشة، ولا يقال له : لم فعلت هذا ولا يطالب بالعذر فيه ولا بالحجة عليه.