ولما ذكر هذا العذاب الذي لا يطاق، أتبعه سببه ترهيباً منه واستعطافاً إلى التوبة وتحذيراً من السرور في دار الحزن، فقال مؤكداً تنبيهاً على أنه لا ينبغي أن يصدق أن عاقلاً يثبت له سرور في الدنيا :﴿إنه كان﴾ أي بما هو له كالجبلة والطبع ﴿في أهله﴾ أي في دار العمل ﴿مسروراً﴾ أي ثابتاً له السرور بطراً بالمال والجاه فرحاً به مخلداً إليه مترفاً مع الفراغ والفرار عن ذكر حساب الآخرة كما قال في التي قبلها ﴿وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين﴾ [ المطففين : ٣١ ]، لا يحزن أحدهم لذنب عمله ولا لقبيح ارتكبه، بل يسر بكونه يأتي له ذلك فهو يحاسب في الآخرة حساباً عسيراً، وينقلب إلى أعدائه مغموماً كسيراً، وقد بان أن الكلام من الاحتباك : ذكر الحساب اليسير الذي هو الثمرة والمسبب أولاً يدل على حذف ضده ثانياً، وذكر السرور في الأهل الذي هو السبب في الثاني يدل على حذف ضده وهو سبب السعادة وهو الغم ومحاسبة النفس في الأول، فهو احتباك في احتباك، ثم علل ثبات سروره فقال مؤكداً تنبيهاً أيضاً على أنه لا يصدق أن أحداً ينكر البعث مع ما له من الدلائل التي تفوت الحصر :﴿إنه ظن﴾ لضعف نظره ﴿أن﴾ أي أنه ﴿لن يحور﴾ أي يرجع إلى ربه أو ينقص أو يهلك
﴿وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلاّ الدهر﴾ [ الجاثية : ٢٤ ] فلهذا كان يعمل عمل من لا يخاف عاقبة ﴿بلى﴾ ليرجعن صاغراً ناقصاً هالكاً، ثم علل ذلك بقوله مؤكداً لأجل من ينكر :﴿إن ربه﴾ أي الذي ابتدأ إنشاءه ورباه ﴿كان﴾ أزلاً وأبداً ﴿به﴾ أي هذا الشقي في إعادته كما كان في ابتدائه وفي جميع أعماله وأحواله التي لا يجوز في عدل عادل ترك الحساب عليها ﴿بصيراً﴾ أي ناظراً له وعالماً به أبلغ نظر وأكمل علم، فتركه مهملاً مع العلم بأعماله مناف للحكمة والعدل والملك، فهو شيء لا يمكن في العقل بوجه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٨ صـ ٣٧١ ـ ٣٧٢﴾


الصفحة التالية
Icon