والصحيح أنه خطاب لجميع المسلمين ؛ أمر كلّ أحد أن يقاتل من قاتله إذ لا يمكن سواه. ألا تراه كيف بيّنها في سورة " براءة" بقوله :﴿قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ مِّنَ الكفار﴾ [التوبة : ١٢٣] وذلك أن المقصود أوّلاً كان أهل مكة فتعيّنت البداءة بهم ؛ فلما فتح الله مكة كان القتال لمن يلي ممن كان يؤذي حتى تعمّ الدعوة وتبلغ الكلمة جميع الآفاق ولا يبقى أحد من الكفرة، وذلك باقٍ متمادٍ إلى يوم القيامة، ممتدٌّ إلى غايةٍ هي قوله عليه السلام :" الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأَجْرُ والمَغْنَم " وقيل : غايته نزول عيسى بن مريم عليه السلام، وهو موافق للحديث الذي قبله ؛ لأن نزوله من أشراط الساعة. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٢ صـ ٣٥٠﴾
فائدة لغوية
والمقاتلة مفاعلة وهي حصول الفعل من جانبين، ولما كان فعلها وهو القتل لا يمكن حصوله من جانبين ؛ لأن أحد الجانبين إذا قتل لم يستطع أن يَقْتل كانت المفاعلة في هذه المادة بمعنى مفاعلة أسباب القتل أي المحاربة، فقوله ﴿وقاتلوا﴾ بمعنى وحاربوا والقتال الحرب بجميع أحوالها من هجوم ومنع سبل وحصار وإغارة واستيلاء على بلاد أو حصون.
وإذا أسندت المفاعلة إلى أحد فاعلَيْها فالمقصود أنه هو المبتدىء بالفعل، ولهذا قال تعالى :﴿وقاتلوا في سبيل الله﴾ فجعل فاعل المفاعلة المسلمين ثم قال :﴿الذين يقاتلونكم﴾ فجعل فاعله ضمير عدوهم، فلزم أن يكون المراد دافعوا الذين يبتدئونكم.


الصفحة التالية
Icon