وبالقياس وهو أن حرمة المسجد الحرام متقررة في الشريعة فلما أذن الله بقتل من قاتل في المسجد الحرام علمنا أن العلة هي أن القتال فيه تعريض بحرمته للاستخفاف، فكذلك عياذ الجاني به، وبمثل قوله قال الشافعي، لكن قال الشافعي إذا التجأ المجرم المسلم إلى المسجد الحرام يضيق عليه حتى يخرج فإن لم يخرج جاز قتله، وقال أبو حنيفة : لا يقتل الكافر إذا التجأ إلى الحرم إلاّ إذا قاتل فيه لنص هاته الآية وهي محكمة عنده غير منسوخة وهو قول طاووس ومجاهد.
قال ابن العربي في " الأحكام" : حضرت في بيت المقدس بمدرسة أبي عقبة الحنفي والقاضي الزنجاني يلقي علينا الدرس في يوم الجمعة فبينا نحن كذلك إذ دخل رجل عليه أطمار فسلم سلام العلماء وتصدر في المجلس، فقال القاضي الزنجاني : من السيد ؟ فقال : رجل من طلبة العلم بصاغان سلبه الشطار أمس، ومقصدي هذا الحرم المقدس فقال القاضي الزنجاني : سلوه عن العادة في مبادرة العلماء بمبادرة أسئلتهم، ووقعت القرعة على مسألة الكافر إذا التجأ إلى الحرم هل يقتل أم لا ؟ فأجاب بأنه لا يقتل، فسئل عن الدليل فقال : قوله تعالى :﴿ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قرىء (ولا تقتلوهم) فالآية نص وإن قرىء (ولا تقاتلوهم) فهي تنبيه، لأنه إذا نهى عن القتال الذي هو سبب القتل كان دليلاً بيناً على النهي عن القتل فاعترض عليه الزنجاني منتصراً لمالك والشافعي وإن لم ير مذهبهما على العادة، فقال هذه الآية منسوخة بقوله تعالى :{فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم﴾ [التوبة : ٥] فقال الصاغاني هذا لا يليق بمنصب القاضي، فإن الآية التي اعترضتَ بها عامة في الأماكن والتي احتججتُ بها خاصة ولا يجوز لأحد أن يقول : إن العام ينسخ الخاص فأُبْهِت القاضي الزنجاني، وهذا من بديع الكلام اه.


الصفحة التالية
Icon