وانتفاء الفتنة يتحقق بأحد أمرين : إما بأن يدخل المشركون في الإسلام فتنزل فتنتهم فيه، وإما بأن يقتلوا جميعاً فتزول الفتنة بفناء الفاتنين. وقد يُفرض انتفاء الفتنة بظهور المسلمين عليهم ومصير المشركين ضعفاء أمام قوة المسلمين، بحيث يخشون بأسهم، إلاّ أن الفتنة لما كانت ناشئة عن التصلب في دينهم وشركهم لم تكن بالتي تضمحل عند ضعفهم، لأن الإقدام على إرضاء العقيدة يصدر حتى من الضعيف كما صدر من اليهود غير مرة في المدينة في مثل قصة الشاة المسمومة، وقتلهم عبد الله بن سهل الحارثي في خيبر، ولذلك فليس المقصود هنا إلاّ أحد أمرين : إما دخولهم في الإسلام وإما إفناؤهم بالقتل، وقد حصل كلا الأمرين في المشركين ففريق أسلموا، وفريق قتلوا يوم بدر وغيره من الغزوات، ومن ثم قال علماؤنا : لا تقبل من مشركي العرب الجزية، ومن ثم فسر بعض المفسرين الفتنة هنا بالشرك تفسيراً باعتبار المقصود من المعنى لا باعتبار مدلول اللفظ. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٢٠٨﴾
سؤال : فإن قيل : كيف يقال :﴿وقاتلوهم حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ مع علمنا بأن قتالهم لا يزيل الكفر وليس يلزم من هذا أن خبر الله لا يكون حقاً.
قلنا الجواب من وجهين الأول : أن هذا محمول على الأغلب لأن الأغلب عند قتالهم زوال الكفر والشرك، لأن من قتل فقد زال كفره، ومن لا يقتل يخاف منه الثبات على الكفر فإذا كان هذا هو الأغلب جاز أن يقال ذلك.
الجواب الثاني : أن المراد قاتلوهم قصداً منكم إلى زوال الكفر، لأن الواجب على المقاتل للكفار أن يكون مراده هذا، ولذلك متى ظن أن من يقاتله يقلع عن الكفر بغير القتال وجب عليه العدول عنه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ١١٣﴾
قال الشيخ الطاهر بن عاشور :
وقوله :﴿ويكون الدين لله﴾ عطف على ﴿لا تكون فتنة﴾ فهو معمول لأن المضمرة بعد (حتى) أي وحتى يكون الدين لله، أي حتى لا يكون دين هنالك إلاّ لله أي وحده.


الصفحة التالية
Icon