أما قوله تعالى :﴿وَيَكُونَ الدين للَّهِ﴾ فهذا يدل على حمل الفتنة على الشرك، لأنه ليس بين الشرك وبين أن يكون الدين كله لله واسطة والمراد منه أن يكون تعالى هو المعبود المطاع دون سائر ما يعبد ويطاع غيره، فصار التقدير كأنه تعالى قال : وقاتلوهم حتى يزول الكفر ويثبت الإسلام، وحتى يزول ما يؤدي إلى العقاب ويحصل ما يؤدي إلى الثواب، ونظيره قوله تعالى :﴿تقاتلونهم أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ [الفتح : ١٦] وفي ذلك بيان أنه تعالى إنما أمر بالقتال لهذا المقصود. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ١١٤﴾
سؤال : لم لم يجىء هنا كلمة ﴿كله﴾ كما في آية الأنفال ؟
الجواب : لم يجىء هنا كلمة كله كما في آية الأنفال لأن ما هنا في مشركي العرب، وما هناك في الكفار عموماً فناسب العموم هناك وتركه هنا ﴿فَإِنِ انْتَهَوْاْ﴾ تصريح بمفهوم الغاية فالمتعلق الشرك والفاء للتعقيب ﴿فَلاَ عدوان إِلاَّ عَلَى الظالمين﴾ علة للجزاء المحذوف أقيمت مقامه والتقدير : فان انتهوا وأسلموا فلا تعتدوا عليهم لأن العدوان على الظالمين والمنتهون ليسوا بظالمين، والمراد نفي الحسن والجواز لا نفي الوقوع لأن العدوان واقع على غير الظالمين. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٢ صـ ٧٦﴾
وقال ابن عرفة :
قوله تعالى :﴿وَيَكُونَ الدين لِلَّهِ...﴾.
في الأنفال :﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ وأجاب بعضهم : بأن هذه في قتال كفار قريش وتلك في قتال جميع الكفار لأن قبلها ﴿قُل لِّلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ﴾ فالمراد في آية البقرة ويكون الدّين (الّذي) هم عليه لله ودينهم بعض الدين لا كله بخلاف آية الأنفال.
قال ابن عرفة : هذا (ينتج) له العكس لأن الأمر بقتال جميع الكفار يقتضي أنّ المراد صيرورة جميع الدّين لله فلا يحتاج إلى التأكيد بكل، والأمر بقتال بعضهم لا يقتضي ذلك فهو أحق أن يؤكد (بكل ). أ هـ ﴿تفسير ابن عرفة حـ ٢ صـ ٥٦١﴾


الصفحة التالية
Icon