وقال الفخر :
اعلم أن الله تعالى لما أباح القتال وكان ذلك منكراً فيما بينهم، ذكر في هذه الآية ما يزيل ذلك فقال :﴿الشهر الحرام بالشهر الحرام﴾ وفيه وجوه أحدها : روي عن ابن عباس ومجاهد والضحاك أن رسول الله ﷺ خرج عام الحديبية للعمرة وكان ذلك في ذي القعدة سنة ست من الهجرة فصده أهل مكة عن ذلك ثم صالحوه عن أن ينصرف ويعود في العام القابل حتى يتركوا له مكة ثلاثة أيام، فرجع رسول الله ﷺ في العام القابل وهو في ذي القعدة سنة سبع ودخل مكة واعتمر، فأنزل الله تعالى هذه الآية يعني إنك دخلت الحرم في الشهر الحرام، والقوم كانوا صدوك في السنة الماضية في هذا الشهر فهذا الشهر بذاك الشهر وثانيها : ما روي عن الحسن أن الكفار سمعوا أن الله تعالى نهى الرسول ﷺ عن أن يقاتلهم في الأشهر الحرم، فأرادوا مقاتلته وظنوا أنه لا يقاتلهم، وذلك قوله تعالى :﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ الله وَكُفْرٌ بِهِ والمسجد الحرام﴾ [البقرة : ٢١٧] فأنزل الله تعالى هذه الآية لبيان الحكم في هذه الواقعة، فقال :﴿الشهر الحرام بالشهر الحرام﴾ أي من استحل دمكم من المشركين في الشهر الحرام فاستحلوه فيه وثالثها : ما ذكره قوم من المتكلمين وهو أن الشهر الحرام لما لم يمنعكم عن الكفر بالله، فكيف يمنعنا عن مقاتلتكم، فالشهر الحرام من جانبنا، مقابل بالشهر الحرام من جانبكم، والحاصل في الوجوه الثلاثة أن حرمة الشهر الحرام لما لم تمنعهم عن الكفر والأفعال القبيحة، فكيف جعلوه سبباً في أن يمنع للقتال من شرهم وفسادهم.
أما قوله تعالى :﴿والحرمات قِصَاصٌ﴾ فالحرمات جمع حرمة والحرمة ما منع من انتهاكه والقصاص المساواة وإذا عرفت هذا ففي هذه الآية تعود تلك الوجوه.


الصفحة التالية
Icon