﴿ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ ﴾ أي عن كفرِهم وفتنتهم فإن ما ذكرَ من الفتنةِ في الدينِ لا يتصورُ من غيرِ الكافرِ فطعاً وقولُه تعالَى ﴿ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ﴾ جملةٌ وقعتْ خبراً لأنَّ أوْ الخبر لَهُم وعذابٌ مرتفعٌ بهِ على الفاعلية وهو الأحسنُ والفاءُ لتضمنَ المبتدأَ معنى الشرطِ ولا ضيرَ في نسخِه بأنَّ وإنْ خالفَ الأخفشُ والمَعنى لهُم في الآخرةِ وعذابُ جهنَم بسببِ كفرِهم ﴿ وَلَهُمْ عَذَابُ الحريق ﴾ وهي نارٌ أُخرى عظيمةٌ بسببِ فتنتِهم للمؤمنينَ ﴿ إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ على الإطلاقِ منَ المفتونينَ وغيرِهم ﴿ لَهُمْ ﴾ بسببِ ما ذكرَ من الإيمانِ والعملِ الصَّالحِ ﴿ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ إنْ أريدَ بالجناتِ الأشجارَ فجريانُ الأنهارِ من تحتِها ظاهر وإن أريدَ بها الأرضَ المشتملةَ عليَها فالتحتيةِ باعتبارِ جزئِها الظاهرِ فإن أشجارَها ساترةٌ لساحتِها كما يعربُ عنْهُ اسمُ الجنةِ وقد مرَّ بيانُه مراراً ﴿ ذلك ﴾ إشارةٌ إمَّا إلى الجناتِ الموصوفةِ والتذكيرُ لتأويلِها بما ذكرَ للإشعارِ بأنَّ مدارَ الحكمِ عنوانُهَا الذي يتنافس فيه المتنافسون فإنَّ اسمَ الإشارةِ متعرضٌ لذاتِ المشارِ إليهِ منْ حيثُ اتصافُهُ بأوصافِه المذكورةِ لا لذاتِه فقطْ كما هُوَ شأنُ الضميرِ فإذا أشيرَ إلى الجناتِ منْ حيثُ ذكرُهَا فقدِ اعتبرَ مَعَها عنوانُها المذكورُ حتماً وإما إلى ما يفيدُه قولُه تعالَى لهم جناتٌ الخ من حيازتِهم لَها فإنَّ حصولَها لهُم مستلزمٌ لحيازتِهم لها قَطْعاً وأياً ما كانَ فما فيهِ منْ مَعْنى البُعدِ للإيذانِ بعلوِّ درجتِه وبعدِ منزلتِه في الفضلِ والشرفِ ومحله الرفعُ علَى الابتداءِ حبرُهُ ما بعدُه أي ذلكَ المذكورُ العظيمُ الشأنِ ﴿ الفوز الكبير ﴾ الذي يصغُرُ عندَهُ الدُّنيا وَمَا فِيْهَا منْ فنونِ الرغائبِ يحذافيرِها والفوزُ النجاةُ منَ الشرِّ والظفرُ بالخيرِ فعَلى
الأولِ هو مصدرٌ أطلقَ على المفعولِ مبالغةً وعَلى الثانِي مصدرٌ عَلَى حالِه. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٩ صـ ﴾