وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾
أي أخذه الجبابرة والظلمة، كقوله جلّ ثناؤه :﴿ وكذلك أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [ هود : ١٠٢ ] وقد تقدم.
قال المبرد "إن بطش ربك" جواب القسم.
المعنى : والسماء ذات البروج إن بطش ربك، وما بينهما معتَرِض مؤكِّد للقسم.
وكذلك قال التِّرمذي الحكيم في نوادر الأصول : إن القسم واقع عما ذكر صفته بالشدة :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ ﴾ يعني الخَلْق عن أكثر العلماء يخلُقهم ابتداء، ثم يعيدهم عند البعث.
وروى عكرمة قال : عَجِب الكفار من إحياء الله جلّ ثناؤه الأموات، وقال ابن عباس : يبدىء لهم عذاب الحريق في الدنيا، ثم يعيده عليهم في الآخرة.
وهذا اختيار الطبريّ :﴿ وَهُوَ الغفور ﴾ أي الستُور لذنوب عباده المؤمنين لا يفضحهم بها ﴿ الودود ﴾ أي المحب لأوليائه.
ورَوَى الضحاك عن ابن عباس قال : كما يودّ أحدكم أخاه بالبشرى والمحبة.
وعنه أيضاً "الودود" أي المتودد إلى أوليائه بالمغفرة، وقال مجاهد الوادّ لأوليائه، فعول بمعنى فاعل.
وقال ابن زيد : الرحيم، وحكى المبرد عن إسماعيل بن إسحاق القاضي أن الودود هو الذي لا ولد له، وأنشد قول الشاعر :
وأركبُ في الروع عُرْيانةً...
ذلولَ الجَناح لقاحاً ودُوداً
أي لا ولد لها تحِن إليه، ويكون معنى الآية : إنه يغفر لعباده وليس له ولد يغفر لهم من أجله، ليكون بالمغفرة متفضلاً من غير جزاء.
وقيل : الودود بمعنى المودود، كركوب وحلُوب، أي يوده عباده الصالحون ويحبونه ﴿ ذُو العرش المجيد ﴾ قرأ الكوفيون إلا عاصما "المجيد" بالخفض، نعتاً للعرش.
وقيل : ل"ربك" ؛ أي إن بطش ربك المجيد لشديد، ولم يمتنع الفصل، لأنه جارٍ مجرى الصفة في التشديد.
الباقون بالرفع نعتا ل"ذو" وهو الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon