استئنافٌ مقررٌ لشدةِ بطشِه تعالَى بالظلمةِ العُصاةِ والكفرةِ العتاةِ وكونُه فعالاً لما يريدُ متضمنٌ لتسليتِه عليه الصلاةُ والسلامُ بالإشعارِ بأنهُ سيصيبُ قومَهُ ما أصابَ الجنودَ ﴿ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ﴾ بدلٌ منَ الجنودِ لأنَّ المرادَ بفرعونَ هُوَ وقومُه والمرادُ بحديثِهم ما صدرَ عنهُم من التمادِي في الكفرِ والضلالِ وما حلَّ بهمْ منَ العذابِ والنكالِ وَالمَعْنى قدْ أتاكَ حديثُهم وعرفتَ مافعلُوا وما فُعِلَ بهمْ فذكِّر قومكَ بشؤونِ الله تعالَى وأندّرْهُم أنْ يصيبَهُم مثل ما أصاب أمثالهم. وقوله تعالى :﴿ بَلِ الذين كَفَرُواْ فِى تَكْذِيبٍ ﴾ إضراب عن مماثلتِهم لهُم وبيانٌ لكونِهم أشدَّ منُهم في الكفرِ والطغيانِ كأنَّه قيلَ : ليسُوا مثلُهم فِي ذلكَ بلْ أشدُّ منهمُ في استحقاقِ العذابِ واستيجابِ العقابِ فإنَّهم مستقرونَ فِي تكذيبٍ شديدٍ للقرآنِ الكريمِ أو قيلَ ليستْ جنايتُهم مجردَ عدمِ التذكرِ والاتعاظِ مما سمعُوا منْ حديثِهم بلْ هُم معَ ذلكَ في تكذيب شديدٍ للقُرآنِ الناطقِ بذلكَ لكنْ لا أنَّهم يكذبونَ بوقوعِ الحادثةِ بلْ بكونِ ما نطقَ بهِ قرآناً منْ عندِ الله تعالى معَ وضوحِ أمرِه وظهورِ حالِه بالبيناتِ الباهرةِ ﴿ والله مِن وَرَائِهِمْ مُّحِيطٌ ﴾ تمثيلٌ لعدمِ نجاتِهم منْ بأسِ الله تعالَى بعدمِ فوتِ المحاطِ المحيطَ وقولُه تعالَى :﴿ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ ﴾ ردٌّ لكفرهم وإبطالٌ لتكذبيهم وتحقيقٌ للحقِّ أيْ ليسَ الأمرُ كَما قالُوا بلْ هُو كتابٌ شريف عالِي الطبقةِ فَيما بينَ الكتبِ الإلهيةِ في النظمِ والمَعْنى وقُرِىءَ قرآنُ مجيدٍ بالإضافةِ أيْ قرآنُ ربَ مجيدٍ ﴿ فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ أيْ منَ التحريفِ ووصولِ الشيطاطينِ إليهِ وقُرِىءَ محفوظٌ بالرفعِ عَلى أنه صفةُ قرآنٍ. وقُرِىءَ في لوحٍ وَهُوَ الهَوَاءُ أي ما فوقَ السماءِ السابعةِ الذي فيهِ اللوحُ. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٩ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon