وقد تقدّم كيفية جري الأنهار من تحت الجنات في غير موضع، وأوضحنا أنه إن أريد بالجنات الأشجار، فجري الأنهار من تحتها واضح، وإن أريد بها الأرض المشتملة عليها، فالتحتية باعتبار جزئها الظاهر، وهو الشجر ؛ لأنها ساترة لساحتها، والإشارة بقوله :﴿ ذلك ﴾ إلى ما تقدّم ذكره مما أعدّه الله لهم أي : ذلك المذكور ﴿ الفوز الكبير ﴾ الذي لا يعدله فوز، ولا يقاربه ولا يدانيه، والفوز الظفر بالمطلوب، وجملة :﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ مستأنفة لخطاب النبيّ مبينة لما عند الله سبحانه من الجزاء لمن عصاه، والمغفرة لمن أطاعه أي : أخذه للجبابرة والظلمة شديد، والبطش : الأخذ بعنف، ووصفه بالشدّة يدل على أنه قد تضاعف وتفاقم، ومثل هذا قوله :
﴿ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [ هود : ١٠٢ ] ﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىء وَيُعِيدُ ﴾ أي : يخلق الخلق أوّلاً في الدنيا، ويعيدهم أحياء بعد الموت.
كذا قال الجمهور.
وقيل : يبدىء للكفار عذاب الحريق في الدنيا، ثم يعيده لهم في الآخرة، واختار هذا ابن جرير، والأوّل أولى.
﴿ وَهُوَ الغفور الودود ﴾ أي : بالغ المغفرة لذنوب عباده المؤمنين لا يفضحهم بها، بالغ المحبة للمطيعين من أوليائه.
قال مجاهد : الوادّ لأوليائه، فهو فعول بمعنى فاعل.
وقال ابن زيد : معنى الودود الرحيم.
وحكى المبرد عن إسماعيل القاضي أن الودود هو الذي لا ولد له، وأنشد :
وأركب في الروع عريانة... ذلول الجناح لقاحاً ودوداً
أي : لا ولد لها تحنّ إليه.
وقيل : الودود بمعنى المودود أي : يودّه عباده الصالحون، ويحبونه، كذا قال الأزهري.
قال : ويجوز أن يكون فعول بمعنى فاعل، أي : يكون محباً لهم.
قال : وكلتا الصفتين مدح ؛ لأنه جلّ ذكره إن أحبّ عباده المطيعين فهو فضل منه، وإن أحبه عباده العارفون، فلما تقرّر عندهم من كريم إحسانه.


الصفحة التالية
Icon