قال محمد بن كعب القُرَظيّ : وكان أهل نَجْرانَ أهل شرك يعبدون الأصنام، وكان في قرية من قراها قريباً من نجران ساحر يعلم غلمان أهل نجران السحر ؛ فلما نزل بها قيميون، بنى بها خيمة بين نجران وبين تلك القرية التي بها الساحر، فجعل أهل نجران يبعثون غلمانهم إلى ذلك الساحر يعلمهم السحر ؛ فبعث إليه الثامرُ عبدَ الله ابن الثامر، فكان مع غلمان أهل نجران، وكان عبد الله إذا مر بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى من أمر صلاته وعبادته، فجعل يجلس إليه ويسمع منه، حتى أسلم، فوحَّد الله وعبده، وجعل يسأله عن اسم الله الأعظم، وكان الراهب يعلمه، فكتمه إياه وقال : يا بن أخي، إنك لن تحمله، أخشى ضعفك عنه ؛ وكان أبو الثامر لا يظن إلا أن ابنه يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمان.
فلما رأى عبد الله أن الراهب قد بخِل عليه بتعليم اسم الله الأعظم، عمد إلى قِداح فجمعها، ثم لم يُبق لله تعالى اسما يعلمه إلا كتبه في قِدْح، لكل اسم قِدْح ؛ حتى إذا أحصاها أوقد لها ناراً، ثم جعل يقذفها فيها قِدْحاً قِدْحاً، حتى إذا مر بالاسم الأعظم قذف فيها بِقدحه، فوثب القِدْح حتى خرج منها لم يضرَّه شيء ؛ فأخذه ثم قام إلى صاحبه، فأخبره أنه قد علم اسم الله الأعظم الذي كتمه إِياه ؛ فقال : وما هو؟ قال : كذا وكذا.
قال : وكيف علمته؟ فأخبره بما صنع.
فقال له : يابن أخي، قد أصبته، فأمسك على نفسك، وما أظن أن تفعل.
فجعل عبد الله ابن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحداً به ضُرُّ إلا قال : يا عبد الله، أتوحِّد الله وتدخل في ديني، فأدعوَ الله لك فيعافِيكَ مما أنت فيه من البلاء؟ فيقول : نعم ؛ فيوحِّد الله ويسلم، فيدعو الله له فيُشْفَى، حتى لم يبق أحد بنجران به ضر إلا أتاه فاتبعه على دينه ودعا له فعوفي ؛ حتى رُفِع شأنه إلى ملكهم، فدعاه فقال له : أفسدت عليّ أهل قريتي، وخالفت ديني ودين آبائي، فلأمثلنّ بك.