﴿ والأرض ذَاتِ الصدع ﴾ هو ما تتصدعُ عنه الأرضُ من النباتِ أو مصدرٌ من المبنيِّ للمفعولِ وهو تشققُها بالنباتِ لا بالعيونِ كما قيلَ، فإن وصفَ السماءِ والأرضِ عند الإقسامِ بهما على حقية القرآنِ الناطقِ بالبعثِ بما ذكرَ من الوصفينِ للإيماءِ إلى أنَّهما في أنفسِهما من شواهدِه وهو السرُّ في التعبيرِ بالصدعِ عنه وعن المطرِ بالرجعِ وذلك في تشققِ الأرضِ بالنباتِ المحاكِي للنشورِ حسبما ذكرَ في مواقعِ من التنزيلِ لا في تشققِها بالعيونِ ﴿ أَنَّهُ ﴾ أي القرآنَ الذي من جُملته ما تُلي من الآياتِ الناطقةِ بمبدأِ الإنسانِ ومعادِه ﴿ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴾ أي فاصلٌ بين الحقِّ والباطلِ مبالغٌ في ذلك كأنه نفسُ الفصلِ ﴿ وَمَا هوَ بالهزل ﴾ ليس في شيءٍ منه شائبةُ هزلٍ بل كله جدٌّ محضٌ لا هوادةَ فيه فمن حقِّه أن يهتديَ به الغواةُ وتخضعَ له رقابُ العتاةِ ﴿ أَنَّهُمْ ﴾ أي أهلَ مكةَ ﴿ يَكِيدُونَ ﴾ في إبطالِ أمرِه وإطفاءِ نورِه ﴿ كَيْداً ﴾ حسبما نفى به قدرتُهم ﴿ وَأَكِيدُ كَيْداً ﴾ أي أقابلهُم بكيدٍ متينٍ لا يمكنُ ردُّه حيثُ أستدرجُهم من حيثُ لا يعلمونَ ﴿ فَمَهّلِ الكافرين ﴾ أي لا تشتغلْ بالانتقامِ منهم ولا تدعُ عليهم بالهلاكِ أو لا تستعجلْ بهِ والفاءُ لترتيبِ ما بعدها عَلى ما قبلها فإنَّ الإخبارَ بتوليهِ تعالى لكيدهم بالذاتِ مما يوجبُ إمهالَهم وتركَ التصدِّي لمكايدتِهم قطعاً وقولُه تعالى ﴿ أَمْهِلْهُمْ ﴾ بدلٌ من مَهِّل وقولُه تعالى :﴿ رُوَيْداً ﴾ إما مصدرٌ مؤيدٌ لمعنى العاملِ أو نعتٌ لمصدرِه المحذوفِ أي مهلهم إمهالاً رُويداً أي قريباً كما قالَه ابنُ عباسٍ رضيَ الله عنْهُما أو قليلاً كما قاله قَتادةُ قال أبو عبيدةَ هُو في الأصلِ تصغيرُ رُود بالضمِّ وأنشدَ :


الصفحة التالية
Icon