ثم نبه على البعث بقوله تعالى :﴿ فلينظر الإنسان مم خلق؟ ﴾ أي : من أي شيء خلقه الله؟ والمعنى : فلينظر نظر التفكُّر والاستدلال ليعرف أن الذي ابتدأه من نطفة قادرٌ على إعادته.
قوله تعالى :﴿ من ماءٍ دافقٍ ﴾ قال الفراء : معناه : مدفوق، كقول العرب.
سرٌّ كاتم، وهمٌ ناصب، وليلٌ نائم، وعيشة راضية، وأهل الحجاز يجعلون المفعول فاعلاً، قال الزجاج : ومذهب سيبويه، وأصحابه أن معناه النسب إلى الاندفاق، والمعنى : من ماءٍ ذي اندفاق.
قوله تعالى :﴿ يخرج من بين الصلب ﴾ قرأ ابن مسعود، وابن سيرين، وابن السميفع، وابن أبي عبلة "الصلب" بضم الصاد، واللام جميعاً.
يعني : يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة.
قال الفراء : يريد يخرج من الصلب والترائب.
يقال : يخرج من بين هذين الشيئين خير كثير.
بمعنى : يخرج منهما.
وفي "الترائب" ثلاثة أقوال.
أحدها : أنه موضع القلادة، قاله ابن عباس.
قال الزجاج : قال أهل اللغة أجمعون : الترائب : موضع القلادة من الصدر، وأنشدوا لامرىء القيس :
مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءُ غَيْرُ مُفَاضَةٍ...
تَرائِبُها مَصْقُولَةٌ كالسَّجَنْجَلِ
قرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال : السجنجل : المرآة بالرومية.
وقيل : هي سبيكة الفضة، وقيل : السجنجل : الزعفران، وقيل : ماء الذهب.
ويروى : البيت "بالسجنجل".
والثاني : أن الترائب : اليدان والرجلان والعينان، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.
والثالث : أنها أربعة أضلاع من يمنة الصدر، وأربعة أضلاع من يسرة الصدر، حكاه الزجاج.
قوله تعالى :﴿ إنه ﴾ الهاء كناية عن الله عز وجل ﴿ على رجعه ﴾ الرجع : رد الشيء إلى أول حاله.
وفي هذه الهاء قولان.
أحدهما : أنها تعود على الإنسان.
ثم فيه قولان.
أحدهما : أنه على إعادة الإنسان حياً بعد موته قادر، قاله الحسن، وقتادة.
قال الزجاج : ويدل على هذا القول قوله تعالى ﴿ يوم تبلى السرائر ﴾.