وقال النسفى :
سورة الطارق
مكية وهي سبع عشرة آية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿ والسماء والطارق * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطارق * النجم الثاقب ﴾عظم قدر السماء في أعين الخلق لكونها معدن رزقهم ومسكن ملائكته، وفيها خلق الجنة فأقسم بها وبالطارق والمراد جنس النجوم، أو جنس الشهب التي يرجم بها لعظم منفعتها، ثم فسره بالنجم الثاقب أي المضيء كأنه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه، ووصف بالطارق لأنه يبدو بالليل كما يقال للآتي ليلاً طارق، أو لأنه يطرق الجني أي يصكه.
وجواب القسم ﴿ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ﴾ لأن ﴿ لَّمّاً ﴾ إن كانت مشددة بمعنى "إلا" كقراءة عاصم وحمزة وابن عامر فتكون "إن" نافية أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، وإن كانت مخففة كقراءة غيرهم فتكون "إن" مخففة من الثقيلة أي إن كل نفس لعليها حافظ يحفظها من الآفات، أو يحفظ عملها ورزقها وأجلها، فإذا استوفى ذلك مات.
وقيل : هو كاتب الأعمال ف "ما" زائدة واللام فارقة بين الثقيلة والخفيفة، و ﴿ حَافِظٌ ﴾ مبتدأ و ﴿ عَلَيْهَا ﴾ الخبر، والجملة خبر ﴿ كُلٌّ ﴾ وأيتهما كانت فهي مما يتلقى به القسم.
﴿ فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ ﴾ لما ذكر أن على كل نفس حافظاً أمره بالنظر في أول أمره ليعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه فيعمل ليوم الجزاء ولا يملي على حافظه إلا ما يسرّه في عاقبته.
و﴿ مِمَّ خُلِقَ ﴾ استفهام أي من أي شيء خلق جوابه ﴿ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ ﴾ والدفق : صب فيه دفع.
والدفق في الحقيقة لصاحبه والإسناد إلى الماء مجاز.
وعن بعض أهل اللغة : دفقت الماء دفقاً : صببته ودفق الماء بنفسه أي انصب.
ولم يقل من ماءين لامتزاجهما في الرحم واتحادهما حين ابتدىء في خلقه ﴿ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترائب ﴾ من صلب الرجل وترائب المرأة وهي عظام الصدر حيث تكون القلادة.