وقيل : العظم والعصب من الرجل واللحم والدم من المرأة ﴿ إِنَّهُ ﴾ إن الخالق لدلالة خلق عليه ومعناه إن الذي خلق الإنسان ابتداء من نطفة ﴿ على رَجْعِهِ ﴾ على إعادته خصوصاً ﴿ لَقَادِرٌ ﴾ لبيّن القدرة لا يعجز عنه كقوله : إنني لفقير أي لبيّن الفقر.
ونصب ﴿ يَوْمَ تبلى ﴾ أي تكشف برجعه أو بمضمر دل عليه قوله ﴿ رَجْعِهِ ﴾ أي يبعثه يوم تبلى ﴿ السرائر ﴾ ما أسرّ في القلوب من العقائد والنيات وما أخفى من الأعمال ﴿ فَمَا لَهُ ﴾ فما للإنسان ﴿ مِن قُوَّةٍ ﴾ في نفسه على دفع ما حل به ﴿ وَلاَ نَاصِرٍ ﴾ يعينه ويدفع عنه.
﴿ والسماء ذَاتِ الرجع ﴾ أي المطر وسمي به لعوده كل حين ﴿ والأرض ذَاتِ الصدع ﴾ هو ما تتصدع عنه الأرض من النبات ﴿ إِنَّهُ ﴾ إن القرآن ﴿ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴾ فاصل بين الحق والباطل كما قيل له فرقان ﴿ وَمَا هوَ بالهزل ﴾ باللعب والباطل يعني أنه جد كله ومن حقه، وقد وصفه الله بذلك أن يكون مهيباً في الصدور معظماً في القلوب، يرتفع به قارئه وسامعه أن يلم بهزل أو يتفكه بمزاح ﴿ أَنَّهُمْ ﴾ يعني مشركي مكة ﴿ يَكِيدُونَ كَيْداً ﴾ يعملون المكايد في إبطال أمر الله وأطفاء نور الحق ﴿ وَأَكِيدُ كَيْداً ﴾ وأجازيهم جزاء كيدهم باستدراجي لهم من حيث لا يعلمون فسمي جزاء الكيد كيداً كما سمي جزاء الاعتداء والسيئة اعتداء وسيئة وإن لم يكن اعتداء وسيئة، ولا يجوز إطلاق هذا الوصف على الله تعالى إلا على وجه الجزاء كقوله :
﴿ نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ ﴾ [ التوبة : ٦٧ ] ﴿ يخادعون الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾ [ النساء : ١٤٢ ] ﴿ الله يَسْتَهْزِىء بِهِمْ ﴾ [ البقرة : ١٥ ] ﴿ فَمَهِّلِ الكافرين ﴾ أي لا تدع بهلاكهم ولا تستعجل به ﴿ أَمْهِلْهُمْ ﴾ أنظرهم فكرر وخالف بين اللفظين لزيادة التسكين والتصبير ﴿ رُوَيْداً ﴾ مهلاً يسيراً ولا يتكلم بها إلا مصغّرة وهي من رادت الريح ترود روداً تحركت حركة ضعيفة. أ هـ ﴿تفسير النسفى حـ ٤ صـ ٣٤٧ ـ ٣٤٨﴾


الصفحة التالية
Icon