التفسير : إنه سبحانه أكثر في كتابه الكريم الأقسام بالسمويات لأن أحوالها في مطالعها ومغاربها ومسيراتها عجيبة. أما الطارق فهو كل ما ينزل بالليل ولهذا جاء في الحديث التعوّذ من طوارق الليل. وذكر طروق الخيال في أشعار العرب كثير لأن تلك الحالة تحصل في الأغلب ليلاً، وقد نهى رسول الله ﷺ أن يأتي الرجل أهله طروقاً. ثم إنه تعالى بين أنه أراد بالطارق في الآية ﴿ النجم الثاقب ﴾ أي هو طارق عظيم الشأن رفيع القدر وهو جنس النجم الذي يهتدى به في ظلمات البحر والبر. قال علماء اللغة : سمي ثاقباً لأنه يثقب الظلام بضوئه كما سمي درياً لأن يدرأوه أي يدفعه، أو لأنه يطلع من المشرق نافذاً في الهواء كالشيء الذي يثقب الشيء، أو لأنه إذا رمي به الشيطان ثقبه أي نفذ فيه وأحرقه. وقد خصه بعضهم بزحل لأنه يثقب بنوره سمك سبع سموات. وقال ابن زيد : هو الثريا. وروى أن أبا طالب أتى النبي ﷺ فأتحفه بخبز ولبن، فبينما هو جالس يأكل إذا انحط نجم فامتلأ ما ثم نوراً ففزع أبو طالب وقال : أيّ شيء هذا؟ فقال ﷺ : هذا نجم رمي به وهو آية من آيات الله فعجب أبو طالب ونزلت السورة. من قرأ ﴿ لما ﴾ مشدّدة بمعنى " إلا " ف " إن " نافية. ومن قرأها مخففة على أن " ما " صلة كالتي في قوله ﴿ فبما رحمة ﴾ [ آل عمران : ١٥٩ ] ف " إن " مخففة من المثقلة. والآية على التقديرين جواب القسم. والحافظ هو الله أو الملك الذي يحصي أعمال العباد كقوله ﴿ وإن عليكم لحافظين ﴾ [ الانفطار : ١٠ ] أو الذي يحفظ الإنسان من المكاره حتى يسلمه إلى القبر. وعن النبي ﷺ " وكل بالمؤمن مائة وستون ملكاً يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين " أو الذي يحفظ عليه رزقه وأجله حتى يستوفيهما. وحين ذكر أن على كل نفس حافظاً أتبعه بوصيته للإنسان بالنظر في مبدئه ومعاده.


الصفحة التالية
Icon