وقال الشيخ سيد قطب :
سورة الطارق
الدرس الأول: ١ - ٤ القسم بالطارق على الحافظ على النفس
(والسماء والطارق. وما أدراك ما الطارق ؟ النجم الثاقب. إن كل نفس لما عليها حافظ)..
هذا القسم يتضمن مشهدا كونيا وحقيقة إيمانية. وهو يبدأ بذكر السماء والطارق ويثني بالاستفهام المعهود في التعبير القرآني:(وما أدراك ما الطارق ؟).. وكأنه أمر وراء الإدراك والعلم. ثم يحدده ويبينه بشكله وصورته:(النجم الثاقب)الذي يثقب الظلام بشعاعه النافذ. وهذا الوصف ينطبق على جنس النجم. ولا سبيل إلى تحديد نجم بذاته من هذا النص، ولا ضرورة لهذا التحديد. بل إن الإطلاق أولى. ليكون المعنى: والسماء ونجومها الثاقبة للظلام، النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء. ويكون لهذه الإشارة إيحاؤها حول حقائق السورة وحول مشاهدها الأخرى.. كما سيأتي..
يقسم بالسماء ونجمها الثاقب: أن كل نفس عليها من أمر الله رقيب:(إن كل نفس لما عليها حافظ).. وفي التعبير بصيغته هذه معنى التوكيد الشديد.. ما من نفس إلا عليها حافظ. يراقبها، ويحصي عليها، ويحفظ عنها، وهو موكل بها بأمر الله. ويعين النفس لأنها مستودع الأسرار والأفكار. وهي التي يناط بها العمل والجزاء.
ليست هنالك فوضى إذن ولا هيصة ! والناس ليسوا مطلقين في الأرض هكذا بلا حارس. ولا مهملين في شعابها بلا حافظ، ولا متروكين يفعلون كيف شاءوا بلا رقيب. إنما هو الإحصاء الدقيق المباشر، والحساب المبني على هذا الإحصاء الدقيق المباشر.
ويلقي النص إيحاءه الرهيب حيث تحس النفس أنها ليست أبدا ي خلوة - وإن خلت - فهناك الحافظ الرقيب عليها حين تنفرد من كل رقيب، وتتخفي عن كل عين، وتأمن من كل طارق. هنالك الحافظ الذي يشق كل غطاء وينفذ إلى كل مستور. كما يطرق النجم الثاقب حجاب الليل الساتر.. وصنعة الله واحدة متناسقة في الأنفس وفي الآفاق.
الدرس الثاني: ٥ - ٧ خلق الإنسان من الماء الدافق


الصفحة التالية
Icon