قال تعالى "فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ" الذي يرى نفسه كبيرا ويتعظم بقوته على غيره، وفي هذه الآية إشارة إلى أبي الأشد المار ذكره في السورة السابقة، وهذا من جملة المناسبات التي قد تأتي بين السور، وهكذا قد يكون بين كل سورة والتي تليها مناسبة على ترتيب النزول، وقد يكون أيضا على ترتيب المصاحف، أي فليتفكر ذلك الإنسان المعجب بقوته "مِمَّ خُلِقَ ٥" أخفى مادة خلقه لكونها لا شيء، ثم صرح بها بقوله "خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ ٦" الدفق صب مع دفع أي مصبوب بشدة في الرحم لعظم ما ينتج عنه من هذا الإنسان المنطوي على كمالات لا تعد ولا تحصى ثم بيّن منبع ذلك الماء بقوله "يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ" من الرجل و"التَّرائِبِ ٧" من المرأة وإنما خصّ هذين الموضعين وهو في الأصل يخرج من جميع الأعضاء لأن أكثره من الدماغ فينصب في عروق الظهر من الرجل، وينزل من عروق كثيرة من مقدم المرأة، فيما بين الثديين.
ولهذا قال من بين الصلب وهو عظام الظهر :(وليراجع في
هذا الموضوع بحث طبي في مجلة التمدن الإسلامي الدمشقية ص ٦٥٥ من المجلد ٢١ عام ١٣٧٤) والترائب وهي عظام الصدر والنحر ومركز الثديين، ومفرده تريب، قال المثقب العبيدي :
ومن ذهب يبين على تريب كلون العاج ليس بذي غصون
وقال امرؤ القيس :
مهفهفة بيضاء غير مفاضة ترائبها مصقولة كالسّجنجل


الصفحة التالية
Icon