وتقدم قوله تعالى :﴿ قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [ النحل : ٢٦ ]، وهذا في قصد النمرود، فكان مكرهم بنيان الصرح ليصعد إلى السماء، فكان مكر الله بهم أن تركهم حتى تصاعدوا بالنباء، فاتى بنيانهم من القواعد، فهدمه عليهم.
وهكذا الكيد هنا، إنهم يكيدون للإسلام والمسلمين يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم، والله يكيد لهم بالاستدراج حتى ياتي موعد إهلاكهم، وقد وقع تحقيقه في بدر، إذ خرجوا محادة الله ورسوله، وفي خيلائهم ومفاخرتهم وكيد الله لهم أن قلل المؤمنين في أعينهم، حتى طمعوا في القتال، وأمطر ارض المعركة، وهم في أرض السبخة، والمسلمون في أرض وملية فكان زلقاً عليهم وثباتاً للمؤمنين، ثم انزل ملائكته لقتالهم. والله تعالى أعلم.
فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (١٧)
قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب، ما نصه : هذا الإمهال المذكور هنا ينافي قوله تعالى :﴿ فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ﴾ [ التوبة : ٥ ] الاية.
والجواب : أن الأمهال منسوخ بآيات السيف ١ه.
وهذا ما لا يفيده كلام الطبري، وإن لم يصرح به وهو منصوص القرطبي. ولعل في نفس الآية ما يدل على ذلك وهو قوله :﴿ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ﴾، أمهلهم رويداً بمعنى قليلاً، فقد قيل الإمهال بالقلة مما يشعر بمجيء النسخ وأنه ليس نهائياً. والله تعالى أعلم. أ هـ ﴿أضواء البيان حـ ٨ صـ ﴾