وقال أبو إمامة : قال النبي ﷺ في تفسير هذه الآية " إن لكل نفس حفظة من الله تعالى يذبون عنها كما يذب عن العسل، ولو وكل المرء إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الطير والشياطين، ".
وقوله تعالى :﴿ فلينظر الإنسان مم خلق ﴾، توقيف لمنكري البعث على أصل الخلقة، أي أن البعث جائز ممكن، ثم بادر اللفظ إلى الجواب اقتضاباً وإسراعاً إلى إقامة الحجة، إذ لا جواب لأحد إلا هذا، و﴿ دافق ﴾، قال كثير : هو بمعنى : مدفوق، وقال الخليل وسيبويه : هو على النسب أي ذي دفق، والدفق : دفق الماء بعضه إلى بعض، تدفق الوادي والسيل، إذا جاء يركب بعضه بعضاً، ويصح أن يكون الماء دافقاً، لأن بعضه يدفع بعضاً، فمنه ﴿ دافق ﴾ ومنه مدفوق. وقوله تعالى :﴿ يخرج من بين الصلب والترائب ﴾، قال قتادة والحسن وغيره : معناه من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة وترائبه، وقال سفيان وقتادة أيضاً وجماعة : من بين صلب الرجل وترائب المرأة، والضمير في ﴿ يخرج ﴾ يحتمل أن يكون للإنسان، ويحتمل أن يكون للماء، وقرأ الجمهور :" الصلب "، وقرأ أهل مكة وعيسى :" الصلُب " بضم اللام على الجميع، والتريبة من الإنسان : ما بين الترقوة إلى الثدي، وقال أبو عبيدة، معلق الحلي على الصدر، وجمع ذلك : ترائب ومنه قول الشاعر [ المثقب العبدي ] :[ الوافر ]
ومن ذهب يسن على تريب... كلوان العاج ليس بذي غضون
وقال امرؤ القيس :[ الطويل ]
ترائبها مصقولة كالسجنجل... فجمع التريبة وما حولها فجعل ذلك ترائب، وقال مكي عن ابن عباس : إن الترب أطراف المرء ورجلاه ويداه وعيناه، وقال معمر :﴿ الترائب ﴾، جمع تربية، وهي عصارة القلب، ومنه يكون الولد، وفي هذه الأقوال تحكم على اللغة، وقال ابن عباس :﴿ الترائب ﴾ موضع القلادة، وقال أيضاً : هي ما بين ثدي المرأة، وقال ابن جبير : هي أضلاع الرجل التي أسفل الصلب، وقال مجاهد : هي الصدر، وقال هي التراقي، وقيل هي ما بين المنكبين والصدر.
وقوله تعالى :﴿ إنه على رجعة لقادر ﴾ الضمير في ﴿ إنه ﴾ لله تعالى، واختلف المفسرون في الضمير في ﴿ رجعه ﴾ : فقال قتادة وابن عباس : هو على ﴿ الإنسان ﴾ على أي على رده حياً بعد موته، وقال الضحاك : هو عائد على ﴿ الإنسان ﴾ لكن المعنى يرجعه ماء كما كان أولاً، وقال الضحاك أيضاً : يرد من الكبر إلى الشباب، وقال عكرمة ومجاهد : هو عائد على الماء، أي يرده في الإحليل، وقيل في الصلب، والعامل في ﴿ يوم ﴾ على هذين القولين الأخيرين فعل مضمر تقديره اذكر ﴿ يوم تبلى السرائر ﴾، وعلى القول الأول، وهو أظهر الأقوال وأبينها، اختلفوا في العامل في ﴿ يوم ﴾، فقيل : العامل ﴿ ناصر ﴾، من قوله تعالى :﴿ ولا ناصر ﴾، وقيل العامل الرجع في قوله تعالى :﴿ على رجعه ﴾، قالوا وفي المصدر من القوة بحيث يعمل وإن حال خبر ان بينه وبين معموله، وقال الحذاق العامل فعل مضمر تقديره :﴿ إنه على رجعه لقادر ﴾، فرجعه ﴿ يوم تبلى السرائر ﴾، وكل هذه الفرق فسرت من أن يكون العامل " قادر "، لأن ذلك يظهر منه تخصيص القدرة في ذلك اليوم وحده، وإذا تؤمل المعنى وما يقتضيه فصيح كلام العرب، جاز أن يكون العامل " قادر "، وذلك أنه قال :﴿ إنه على رجعه لقادر ﴾، أي على الإطلاق أولاً وآخراً وفي كل وقت، ثم ذكر تعالى وخصص من الأوقات الوقت الأهم على الكفار لأنه وقت الجزاء والوصل إلى العذاب ليجتمع الناس إلى حذره والخوف منه. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon