و"إن" : مخففة من الثقيلة، و"ما" : مؤكدة، أي إن كل نفس لعليها حافظ.
وقيل : المعنى إن كل نفس إلا عليها حافظ : يحفظها من الآفات، حتى يُسلمها إلى القدر.
قال الفراء : الحافظ من الله، يحفظها حتى يسلمها إلى المقادير، وقاله الكلبيّ.
وقال أبو أُمامة : قال النبي ﷺ :" وكِّل بالمؤمن مائة وستون ملكاً يذُبُّون عنه ما لم يقدر عليه.
من ذلك البصر، سبعة أملاك يذبون عنه، كما يذب عن قصعة العسل الذباب.
ولو وكِل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين " وقراءة ابن عامر وعاصم وحمزة "لَمَّا" بتشديد الميم، أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، وهي لغة هذيل.
يقول قائلهم : نَشَدتك لمَّا قمت.
الباقون بالتخفيف، على أنها زائدة مؤكدة، كما ذكرنا.
ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله ﴾ [ الرعد : ١١ ] على ما تقدم.
وقيل : الحافظ هو الله سبحانه ؛ فلولا حفظه لها لم تبق.
وقيل : الحافظ عليه عقله، يرشده إلى مصالحه، ويكفه عن مضارّه.
قلت : العقل وغيره وسائط، والحافظ في الحقيقة هو الله جل وعز ؛ قال الله عز وجل :﴿ فالله خَيْرٌ حَافِظاً ﴾ [ يوسف : ٦٤ ]، وقال :﴿ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بالليل والنهار مِنَ الرحمن ﴾ [ الأنبياء : ٤٢ ].
وما كان مثله.
قوله تعالى :﴿ فَلْيَنظُرِ الإنسان ﴾ أي ابن آدم ﴿ مِمَّ خُلِقَ ﴾ ؟ وجه الاتصال بما قبله توصية الإنسان بالنظر في أوّل أمره وسنته الأولى، حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه ؛ فيعمل ليوم الإعادة والجزاء، ولا يُمْلِي على حافظه إلا ما يسره في عاقبة أمره.
و﴿ مِمَّ خُلِقَ ﴾ ؟ استفهام ؛ أي من أي شيء خلق؟ ثم قال :﴿ خُلِقَ ﴾ وهو جواب الاستفهام ﴿ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ ﴾ أي من المنِيّ.