وقيل المراد فلا تنسى العمل به، والأول أولى بالمقام لإنه ابعد ان يقع منه ذلك "إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ" وقوعه ولم يشأ جل شأنه أن ينسى حبيبه شيئا من كلامه، جاء في الحواشي العصامية على أنوار التنزيل ان الاستثناء على هذا الوجه لتأكيد عموم النفي لا لنقض عمومه، فهو استثناء من أعم الأوقات أي فلا تنسى في وقت من الأوقات شيئا من الوقت الا وقت مشيئة اللّه نسيانك، لكنه سبحانه لا يشاء ذلك وهذا على حد قوله تعالى :"خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ" الآية ١٠٨ من سورة هود من ج ٢، وإليه ذهب الفراء فقال أنه تعالى ما شاء أن ينسى رسوله إلا أن المقصود من الاستثناء بيان أن اللّه تعالى لو أراد أن يصيره ناسيا لقدره عليه كما في قوله :"وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ" الآية ٨٦ في سورة الاسراء الآتية، ولا شك أنّا نقطع بأنه تعالى ما شاء ذلك ولو شاء لفعل ولكن يأبى كرمه أن يسلب حبيبه شيئا منّ به عليه وشرّفه تفضلا منه، كيف وقد تعهد له "بحفظه راجع الآية ٩" في سورة الحجر من ج ٢.
مطلب عصمة النبي من النسيان :
هذا وقد قال له "لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ" الآية ٦٥ من سورة الوتر من ج ٢ مع القطع بأنه لم يشرك البتة، وفائدة ذلك ان يعرفه كمال قدرته حتى يعلم أن عدم النسيان من فعله وإحسانه وليعرف الغير ذلك، فعلى هذا يكون نفيا مجازيا من باب قوله من المعنى :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب