قوله ﴿ عين جارية ﴾ قال جار الله : يريد عيوناً في غاية الكثرة كقوله ﴿ علمت نفس ﴾ [ الانفطار : ٥ ] قال الكلبي : لا أدري جرت بماء أو غيره. قال القفال : عين شراب جارية على وجه الأرض في غير أخدود وتجري لهم كما أرادوا. ﴿ مرفوعة ﴾ في الرتبة أو مرتفعة عن الأرض ليرى المؤمن بجلوسه عليها جميع ما آتاه الله من الخدم والملك، فإذا جاء وليّ الله ليجلس عليها تطأطأت له، فإذا استوى عليها ارتفعت إلى حيث أراد الله. وقد وصفها ابن عباس بأن ألواحها من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت. وقيل : مرفوعة أي مخبوءة لهم من رفع الشيء إذا خبأه. والأكواب الكيزان التي لا عرى لها كلما أرادوها وجدوها موضوعة بين أيديهم حاضرة أو موضوعة على حافات العيون ليشرب بها. وجوّز في الكشاف أن يراد موضوعة من حدّ الكبر إلى التوسط والاعتدال. والنمارق الوسائد واحدها نمرقة بضم النون. وروى الفراء بكسرها أيضاً ﴿ مصفوفة ﴾ بعضها بجنب بعض أينما أراد أن يجلس جلس على واحدة وأسند إلى أخرى. والزرابيّ البسط العراض الفاخرة واحدها زربية بكسر الزاي، وقيل : هي الطنافس التي لها خمل رقيق. و ﴿ مبثوثة ﴾ أي مبسوطة أو مفرقة في المجلس. وحين ذكر أحوال المعاد عاد إلى الاستدلال على المبدأ فإن من عادة كتاب الله الكريم أنه يرجع إلى تذكير الأصول عوداً إلى بداية. وللمحققين في نسق الآية وفي تناسب هذه الأمور وجوه منها : قول أكثر أهل المعاني إن القرآن إنما نزل بلغة العرب فيجب أن يخاطبوا بحسب ما هو مركوز في خزانة خيالهم، ولا ريب أن جل هممهم مصروفة بشأن الإبل فمنها يأكلون ويشربون، ومن أصوافها وأوبارها ينتفعون، وعليها في متاجرهم ومسافراتهم يحملون، فحيث أراد الله سحانه أن ينصب لهم دليلاً من مصنوعاته يمكنهم أن يستدلوا به على كمال حكمة الصانع ونهاية قدرته لم يكن شيء أحضر صورة في متخيلهم من الإبل فنصبها لهم. ولا ريب أنها من أعاجيب مصنوعات الله تعالى صورة


الصفحة التالية
Icon