(لا تسمع فيها لاغية).. ويطلق هذا التعبير جوا من السكون والهدوء والسلام والاطمئنان والود والرضى والنجاء والسمر بين الأحباء والأوداء، والتنزه والارتفاع عن كل كلمة لاغية، لا خير فيها ولا عافية.. وهذه وحدها نعيم. وهذه وحدها سعادة. سعادة تتبين حين يستحضر الحس هذه الحياة الدنيا، وما فيها من لغو وجدل وصراع وزحام ولجاج وخصام وقرقعة وفرقعة. وضجة وصخب، وهرج ومرج. ثم يستسلم بعد ذلك لتصور الهدوء الآمن والسلام الساكن والود الرضي والظل الندي في العبارة الموحية:(لا تسمع فيها لاغية)وألفاظها ذاتها تنسم الروح والندى وتنزلق في نعومة ويسر، وفي إيقاع موسيقي ندي رخي ! وتوحي هذه اللمسة بأن حياة المؤمنين في الأرض وهم ينأون عن الجدل واللغو، هي طرف من حياة الجنة، يتهيأون بها لذلك النعيم الكريم.
وهكذا يقدم الله من صفة الجنة هذا المعنى الرفيع الكريم الوضيء. ثم تجيء المناعم التي تشبع الحس والحواس. تجيء في الصورة التي يملك البشر تصورها. وهي في الجنة مكيفة وفق ما ترتقي إليه نفوس أهل الجنة. مما لا يعرفه إلا من يذوقه !
(فيها عين جارية).. والعين الجارية: الينبوع المتدفق. وهو يجمع إلى الري الجمال. جمال الحركة والتدفق والجريان. والماء الجاري يجاوب الحس بالحيوية وبالروح التي تنتفض وتنبض ! وهو متعة للنظر والنفس من هذا الجانب الخفي، الذي يتسرب إلى أعماق الحس.
(فيها سرر مرفوعة).. والارتفاع يوحي بالنظافة كما يوحي بالطهارة..(وأكواب موضوعة).. مصفوفة مهيأة للشراب لا تحتاج إلى طلب ولا إعداد !(ونمارق مصفوفة).. والنمارق الوسائد والحشايا للاتكاء في ارتياح !(وزرابي مبثوثة).. والزرابي البسط ذات الخمل "السجاجيد" مبثوثة هنا وهناك للزينة وللراحة سواء !