هذا وان الفيل مما يعرفونه أيضا وهو أقوى من الإبل، إلا أنه لا منافع فيه مثل ما في الإبل ولم يطلعوا عليه كلهم، ولأنه لا يؤكل، ولا لبن له ولا صوف، وليس بلين الجانب كالإبل تقودها الأولاد وتعقلها المرأة، وتقنى للزينة والتجارة والركوب والدر، وتحمل الأثقال وفيها خواص لا توجد بغيرها، كاحتمالها العطش والمشاق في السفر، وتحمّل وهي باركة، وترعى من النبات ما لا يرعاه غيرها، والفيل خلو من هذه الصفات، وقد اخترع القبان منها بالنظر لسرتها وطول عنقها، ولها ميزة في خلقها وتركيب أعضائها وتأثرها بالصوت الحسن حتى انها قد تودي بحياتها من شدة طيّها المسافة البعيدة عند سماعها الحداء، ولها من الشفقة على أولادها ما لم يوجد عند غيرها، كما أن عندها من الحقد ما يقابل ذلك على من يعتدي عليها عند هيجانها اى الذكور منها، وقد ذكرنا ما يتعلق في بحثها في الآيتين ١٣٨/ ١٤٣ من سورة الأنعام المارة فراجعهما.
وإنما ذكّرهم اللّه تعالى ببعض نعمه عليهم، لأن المراد منه التذكر في دلائل توحيده وبراهين قدرته وإمارات صنعه مما يرون ويعلمون، أما مخلوقاته الأخرى الموجودة في ذلك الزمن والتي وجدت الآن وما ستوجد بعد فهي وإن كانت أعظم في الاستدلال إلا أن ضرب المثل بما هو موجود
أكثر تأثيرا مما لم يوجد، فإذا قلت لهم توحيد سفينة عظيمة تمشي بالبخار على البحار وسيارات تقطع مسافة اليوم في ساعة، وطيارات تطوي الشهرين بيوم، وهاتف وراد ينقلان الصوت من المغرب إلى المشرق بلحظات لم يصدقوا، فلهذا اقتصر اللّه تعالى على ما هو معلوم عندهم كلهم.
ومن هذا قوله صلّى اللّه عليه وسلم كلموا الناس بما يفهمون أتحبون أن يكذب اللّه ورسوله.


الصفحة التالية
Icon