كانت في الدنيا عاملة ناصبة في غير طاعة الله، فهي إذن تصلى ناراً حامية في الآخرة ثانيها : أنها خاشعة عاملة في الدنيا، ولكنها ناصبة في الآخرة، فخشوعها في الدنيا خوفها الداعي لها إلى الإعراض عن لذائذ الدنيا وطيباتها، وعملها هو صلاتها وصومها ونصبها في الآخرة هو مقاساة العذاب على ما قال تعالى :
﴿وَبَدَا لَهُمْ مّنَ الله ما لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ﴾ [ الزمر : ٤٧ ] وقرىء عاملة ناصبة على الشتم، واعلم أنه تعالى بعد أن وصفهم بهذه الصفات الثلاثة شرح بعد ذلك كيفية مكانهم ومشربهم ومطعمهم نعوذ بالله منها.
أما مكانهم فقوله تعالى :
تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (٤)
يقال : صلى بالنار يصلى أي لزمها واحترق بها وقرىء بنصب التاء وحجته قوله :﴿إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الجحيم﴾ [ الصافات : ١٦٣ ] وقرأ أبو عمرو وعاصم برفع التاء من أصليته النار لقوله :﴿ثُمَّ الجحيم صَلُّوهُ﴾ [ الحاقة : ٣١ ] وقوله :﴿ونصلوه جَهَنَّمَ﴾ وصلوه مثل أصلوه، وقرأ قوم تصلى بالتشديد، وقيل : المصلى عند العرب، أن يحفروا حفيراً فيجمعوا فيه جمراً كثيراً، ثم يعمدوا إلى شاة فيدسوها وسطه، فأما ما يشوى فوق الجمر أو على المقلاة أو في التنور، فلا يسمى مصلى.
وقوله :﴿حَامِيَةً﴾ أي قد أوقدت، وأحميت المدة الطويلة، فلا حر يعدل حرها، قال ابن عباس : قد حميت فهي تتلظى على أعداء الله.
وأما مشروبهم قوله تعالى :
تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥)
الآني الذي قد انتهى حره من الإيناء بمعنى التأخير.
وفي الحديث :"أن رجلاً أخر حضور الجمعة ثم تخطى رقاب الناس، فقال له النبي ﷺ :" آنيت وآذيت " ونظير هذه الآية قوله :﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءانٍ﴾ [ الرحمن : ٤٤ ] قال المفسرون : إن حرها بلغ إلى حيث لو وقعت منها قطرة على جبال الدنيا لذابت.
وأما مطعومهم فقوله تعالى :
لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (٦)