وقال القرطبى :
﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (١) ﴾
"هل" بمعنى قد ؛ كقوله :﴿ هَلْ أتى عَلَى الإنسان ﴾ [ الإنسان : ١ ] ؛ قال قُطْرب.
أي قد جاءك يا محمد حديث الغاشية ؛ أي القيامة التي تغشى الخلائق بأهوالها وأفزاعها ؛ قاله أكثر المفسرين.
وقال سعيد بن جُبير ومحمد بن كعب :"الغاشية" : النار تَغْشَى وجوه الكفار ؛ ورواه أبو صالح عن ابن عباس ؛ ودليله قوله تعالى :﴿ وتغشى وُجُوهَهُمْ النار ﴾ [ إبراهيم : ٥٠ ].
وقيل : تَغشَى الخلق.
وقيل : المراد النفخة الثانية للبعث ؛ لأنها تَغشَى الخلائق.
وقيل :"الغاشية" أهلُ النار يَغْشَونها، ويقتحمون فيها.
وقيل : معنى "هل أتاك" أي هذا لم يكن من علمك، ولا من علم قومك.
قال ابن عباس : لم يكن أتاه قبل ذلك على هذا التفصيل المذكور هاهنا.
وقيل : إنها خرجت مخرج الاستفهام لرسوله ؛ ومعناه إن لم يكن أتاك حديث الغاشية فقد أتاك ؛ وهو معنى قول الكلبيّ.
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (٢)
قال ابن عباس : لم يكن أتاه حديثهم، فأخبره عنهم، فقال :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ﴾ أي يوم القيامة.
﴿ خَاشِعَةٌ ﴾ قال سفيان : أي ذليلة بالعذاب.
وكل متضائلٍ ساكن خاشع.
يقال : خَشَع في صلاته : إذا تذلل ونَكَّس رأسه.
وخَشَع الصوتُ : خفِي ؛ قال الله تعالى :﴿ وَخَشَعَتِ الأصوات للرحمن ﴾ [ طه : ١٠٨ ].
والمراد بالوجوه أصحاب الوجوه.
وقال قتادة وابن زيد :"خاشعة" أي في النار.
والمراد وجوه الكفار كلهم ؛ قاله يحيى بن سلام.
وقيل : أراد وجوه اليهود والنصارى ؛ قاله ابن عباس.
ثم قال :﴿ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ ﴾ فهذا في الدنيا ؛ لأن الآخرة ليست دار عمل.
فالمعنى : وجوه عاملة ناصبة في الدنيا "خاشعة" في الآخرة.
قال أهل اللغة : يقال للرجل إذا دأب في سيره : قد عمل يعمل عملاً.
ويقال للسحاب إذا دام برقه : قد عَمل يعمل عملاً.
وذا سحاب عَمِل.
قال الهذليّ :
حتى شآها كلِيلٌ مَوْهِناً عمِلٌ...