الثاني : أن المراد بالحامية أنها حِمًى من ارتكاب المحظورات، وانتهاك المحارم ؛ كما قال النبيّ ﷺ :" إن لكل ملِك حِمًى، وإن حِمى الله محارمه.
ومن يرتع حول الحِمَى يُوشِك أن يقع فيه " الثالث : أنها تحمي نفسها عن أن تطاق ملامستها، أو ترام مُماسَتها ؛ كما يحمِي الأسد عَرِينه ؛ ومثله قول النابغة :
تعدو الذئاب على من لا كلاب له...
وتتقِي صَولَة المستأسِدِ الحامِي
الرابع : أنها حامية حِمَى غيظ وغضب ؛ مبالغة في شدّة الانتقام.
ولم يرد حِمَى جِرْم وذات ؛ كما يقال : قد حِميَ فلان : إذا اغتاظ وغضب عند إرادة الانتقام.
وقد بين الله تعالى بقوله هذا المعنى فقال :﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ ﴾ [ الملك : ٨ ].
تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥)
الآني : الذي قد انتهى حَرّه ؛ من الإيناء، بمعنى التأخير.
ومنه :"آنيتَ وآذيت".
وآناه يؤنيه إيناء، أي أحره وحبسه وأبطأه.
ومنه ﴿ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ﴾ [ الرحمن : ٤٤ ].
وفي التفاسير ﴿ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ﴾ أي تناهَى حرها ؛ فلو وقعت نقطة منها على جبال الدنيا لذابت.
وقال الحسن :"آنيةٍ" أي حرها أدرك ؛ أوقِدت عليها جهنم منذ خلقت، فدُفِعوا إليها وِرداً عِطاشا.
وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : بلغت أناها، وحان شربها.
قوله تعالى :﴿ لَّيْسَ لَهُمْ ﴾ أي لأهل النار.
﴿ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ ﴾ لما ذكر شرابهم ذكر طعامهم.
قال عكرمة ومجاهد : الضَّرِيع : نبت ذو شوك لاصق بالأرض، تسميه قريش الشِّبْرِق إذا كان رطباً، فإذا يبِس فهو الضريع، لا تَقْرَبُه دابة ولا بهيمة ولا ترعاه ؛ وهو سُمٌّ قاتل، وهو أخبث الطعام وأشنعه ؛ على هذا عامّة المفسرين.
إلا أن الضحاك روى عن ابن عباس قال : هو شيء يَرْمِي به البحر، يسمَّى الضَّريعَ، من أقوات الأنعام لا الناس، فإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع، وهلكت هُزْلاً.