و ﴿ خاشعة، عاملة، ناصبة ﴾ أخبار ثلاثة عن ﴿ وجوه ﴾، والمعنى : أناس خاشعون الخ.
فالوجوه كناية عن أصحابها، إذ يكنى بالوجه عن الذات كقوله تعالى :﴿ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ﴾ [ الرحمن : ٢٧ ].
وقرينة ذلك هنا قوله بعده :﴿ ليس لهم طعام إلا من ضريع ﴾ إذ جعل ضمير الوجوه جماعة العقلاء.
وأوثرت الوجوه بالكناية عن أصحابها هنا وفي مثل هذا المقام لأن حالة الوجوه تنبىء عن حالة أصحابها إذ الوجه عنوان عما يجده صاحبه من نعيم أو شقوة كما يقال : خرج بوجه غير الوجه الذي دخل به.
وتقدم في قوله تعالى :﴿ وجوه يومئذ مسفرة ﴾ الآية في سورة عبس ( ٣٨ ).
ويجوز أن يجعل إسناد الخشوع والعمل والنصَب إلى وجوه } من قبيل المجاز العقلي، أي أصحاب وجوه.
ويتعلق ﴿ يومئذ ﴾ بـ ﴿ خاشعة ﴾ قدم على متعلقه للاهتمام بذلك اليوم ولما كانت ( إذ ) من الأسماء التي تلزم الإضافة إلى جملة فالجملة المضاف إليها ( إذْ ) محذوفة عُوّض عنها التنوين، ويدل عليها ما في اسم ﴿ الغاشية ﴾ من لمح أصل الوصفية لأنها بمعنى التي تغشى الناس فتقدير الجملة المحذوفة يوم إذ تغشى الغاشية.
أو يدل على الجملة سياق الكلام فتقدر الجملة : يوم إذ تحدث أو تقع.
و﴿ خاشعة ﴾ : ذليلة يطلق الخشوع على المذلة قال تعالى :﴿ وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ﴾ [ الشورى : ٤٥ ] وقال :﴿ خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ﴾ [ المعارج : ٤٤ ].
والعاملة : المكلفة العَمَل من المشاق يومئذ.
و﴿ ناصبة ﴾ : من النصب وهو التعب.
وأوثر وصف ﴿ خاشعة ﴾ و ﴿ عاملة ﴾ و ﴿ ناصبة ﴾ تعريضاً بأهل الشقاء بتذكيرهم بأنهم تركوا الخشوع لله والعمل بما أمر به والنصبَ في القيام بطاعته، فجزاؤهم خشوع مذلّة، وعمل مشقة، ونصَب إرهاق.
وجملة :﴿ تصلى ناراً حامية ﴾ خبر رابع عن ﴿ وجوه ﴾.


الصفحة التالية
Icon