الانقطاع عنها وعدم الاستغراق فيها، أما إذا لم يحصل للإنسان شيء من هذه المحسوسات رجعت شاءت أم أبت إلى الله، واشتغلت بعبودية الله فكان وجدان الدنيا سبباً للحرمان من الله، فكيف يجوز القضاء بالشقاوة والإهانة عند عدم الدنيا، مع أن ذلك أعظم الوسائل إلى أعظم السعادات وخامسها : أن كثرة الممارسة سبب لتأكد المحبة، وتأكد المحبة سبب لتأكد الألم عند الفراق، فكل من كان وجدانه للدنيا أكثر وأدوم كانت محبته لها أشد، فكان تألمه بمفارقتها عند الموت أشد، والذي بالضد فبالضد، فإذن حصول لذات الدنيا سبب للألم الشديد بعد الموت، وعدم حصولها سبب للسعادة الشديدة بعد الموت، فكيف يقال : إن وجدان الدنيا سعادة وفقدانها شقاوة ؟.
واعلم أن هذه الوجوه إنما تصح مع القول بإثبات البعث روحانياً كان أو جسمانياً، فأما من ينكر البعث من جميع الوجوه فلا يستقيم على قوله شيء من هذه الوجوه، بل يلزمه القطع بأن وجدان الدنيا هو السعادة وفقدانها هو الشقاوة، ولكن فيه دقيقة أخرى وهي أنه ربما كان وجدان الدنيا الكثيرة سبباً للقتل والنهب والوقوع في أنواع العذاب، فربما كان الحرمان سبباً لبقاء السلامة، فعلى هذا التقدير لا يجوز أيضاً لمنكر البعث من جميع الوجوه أن يقضي على صاحب الدنيا بالسعادة، وعلى فاقدها بالهوان، فربما ينكشف له أن الحال بعد ذلك بالضد، وفي الآية سؤالات :
السؤال الأول : قوله :﴿فَأَمَّا الإنسان﴾ المراد منه شخصين معين أو الجنس ؟ الجواب : فيه قولان : الأول : أن المراد منه شخصين معين، فروي عن ابن عباس أنه عتبة بن ربيعة، وأبو حذيفة بن المغيرة، وقال الكلبي : هو أبي بن خلف، وقال مقاتل : نزلت في أمية بن خلف والقول الثاني : أن المراد من كان موصوفاً بهذا الوصف وهو الكافر الجاحد ليوم الجزاء.