أما قوله :﴿والفجر﴾ فذكروا فيه وجوهاً أحدها : ما روي عن ابن عباس أن الفجر هو الصبح المعروف، فهو انفجار الصبح الصادق والكاذب، أقسم الله تعالى به لما يحصل به من انقضاء الليل وظهور الضوء، وانتشار الناس وسائر الحيوانات من الطير والوحوش في طلب الأرزاق، وذلك مشاكل لنشور الموتى من قبورهم، وفيه عبرة لمن تأمل، وهذا كقوله :﴿والصبح إِذَا أَسْفَرَ﴾ [ المدثر : ٣٤ ] وقال في موضع آخر، ﴿والصبح إِذَا تَنَفَّسَ﴾ [ التكوير : ١٨ ] وتمدح في آية أخرى بكونه خالقاً له، فقال :﴿فَالِقُ الإصباح﴾ [ الإنعام : ٩٦ ] ومنهم من قال المراد به جميع النهار إلا أنه دل بالابتداء على الجميع، نظيره :﴿والضحى﴾ [ الضحى : ١ ] وقوله :﴿والنهار إِذَا تجلى﴾ [ الليل : ٢ ] وثانيها : أن المراد نفسه صلاة الفجر وإنما أقسم بصلاة الفجر لأنها صلاة في مفتتح النهار وتجتمع لها ملائكة النهار وملائكة الليل كما قال تعالى :﴿إن قرآن الفجر كان مشهوداً﴾ [ الإسراء : ٧٨ ] أي تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار القراءة في صلاة الصبح وثالثها : أنه فجر يوم معين، وعلى هذا القول ذكروا وجوهاً الأول : أنه فجر يوم النحر، وذلك لأن أمر المناسك من خصائص ملة إبراهيم، وكانت العرب لا تدع الحج وهو يوم عظيم يأتي الإنسان فيه بالقربان كأن الحاج يريد أن يتقرب بذبح نفسه، فلما عجز عن ذلك فدى نفسه بذلك القربان، كما قال تعالى :﴿وفديناه بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [ الصافات : ١٠٧ ] الثاني : أراد فجر ذي الحجة لأنه قرن به قوله :﴿وَلَيالٍ عَشْرٍ﴾ ولأنه أول شهر هذه العبادة المعظمة الثالث : المراد فجر المحرم، أقسم به لأنه أول يوم من كل سنة وعند ذلك يحدث أموراً كثيرة مما يتكرر بالسنين كالحج والصوم والزكاة واستئناف الحساب بشهور الأهلة، وفي الخبر " إن أعظم الشهور عند الله المحرم " وعن ابن عباس أنه قال : فجر السنة هو المحرم فجعل جملة المحرم فجراً ورابعها : أنه