فائدة
قال الشيخ الشنقيطى :
قوله تعالى: ﴿لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾.
هذه الآية الكريمة يتبادر من ظاهرها أنه تعالى أخبر بأنه لا يقسم بهذا البلد الذي هو مكة المكرمة مع أنه تعالى أقسم به في قوله: ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ﴾.
والجواب عن هذا من أوجه:
الأول: وعليه الجمهور: أن ﴿لاَ﴾ هنا صلة على عادة العرب فإنها ربما لفظت بلفظة (لا) من غير قصد معناها الأصل بل لمجرد تقوية الكلام وتوكيده لقوله: ﴿مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلا تَتَّبِعَنِ﴾ يعني أن تتبعني وقوله: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ﴾ أي أن تسجد على أحد القولين.
ويدل له قوله في سورة ص ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ﴾ الآية.
وقوله: ﴿لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ أي ليعلم أهل الكتاب، وقوله: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ أي فوربك، وقوله: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ﴾ أي والسيئة، وقوله: ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ﴾ على أحد القولين، وقوله: ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ على أحد القولين، وقوله: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا﴾ على أحد الأقوال الماضية وكقول أبي النجم:
فما ألوم البيض ألا تسخرا
…لما رأين الشمط القفندرا
يعني أن تسخر وكقول الشاعر:
وتلحينني في اللهو أن لا أحبه
…وللهو داع دائب غير غافل
يعني أن أحبه و (لا) زائدة.
وقول الآخر:
أبى جوده لا البخل واستعجلت به
…نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله
يعني أبى جوده البخل و (لا) زائدة على خلاف في زيادتها في هذا البيت الأخير ولاسيما على رواية البخل بالجر لأن (لا) عليها مضاف بمعنى لفظة لا فليست زائدة على رواية الجر وقول امرئ القيس:
فلا وأبيك ابنة العامري
…لا يدعي القوم أني أفر
يعني وأبيك.


الصفحة التالية
Icon