وحديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه عند أحمد وأبي يعلى " لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة يخرج عمله للناس " فهو موصول إليه مقدور عليه، وأنه كان يجب عليه الشكر على ما جعل له سبحانه وتعالى من القوى التي جعلها لسوء كسبه آلات للكفر، سبب سبحانه وتعالى عنه قوله تفصيلاً للأشياء الموصلة إلى الراحة في العقبى نافياً لفعلها عنه على سبيل الحقيقة دلالة على عجزه :﴿فلا اقتحم﴾ أي وثب ورمى بنفسه بسرعة وضغط وشدة حتى كان من شدة المحبة لما يراه فيما دخل فيه من الخير.
كأنه أتاه من غير فكر ولا روية بل هجماً ﴿العقبة﴾ وهي طريق النجاة، والمقرر في اللغة أنها الطريق الصاعد في الجبل المستعار اسمها لأفعال البر المقرر في النفوس مريحة لا متعب، مع كونها أعظم فخراً وأعلى منقبة، لأنا حجبناه عنها بأيدينا وعظيم قوتنا وعجيب قدرتنا، وذلك أن الخير لما كان محبباً إلى القلوب معشوقاً للنفوس مرغوباً فيه لا يعدل عنه أحد، جعلناه في بادىء الأمر كريهاً وعلى النفوس مستصعباً ثقيلاً حتى صار لمخالفته الهوى كأنه عقبة كؤود، لا ينال ما فيه من مشقة الصعود، إلا بعزم شديد وهمة ماضية، ونية جازمة، ورياضة وتدريب، وتأديب وتهذيب، وشديد مجاهدة وعظيم مكابدة للنفس والهوى والشيطان، بحيث يكون متعاطيه في فعله له كالرامي بنفسه فيه بلا روية رمي العاشق له المتهالك عليه، فكان هذا سبباً لأن هذا الجاهل بنفسه المتعدي لطوره لم يختر لنفسه الخير بما أوتي من البصر الذي يبصر به صنائع الله، والبصيرة التي يعرف بها ما يضره وما ينفعه شكراً لربه سبحانه وتعالى ويكون ذلك لإحسانه إليه، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، وهل جزاء النعمة إلا الشكر، بل اختار الشر وارتكب الضر مع أنا هيأناه لكل منهما فبانت لنا القدرة.


الصفحة التالية
Icon