وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة : عن رسول الله ﷺ، قال :" من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضواً من أعضائه من النار، حتى فرجَه بفرجه " وفي الترمذي عن أبي أُمامة وغيره من أصحاب النبيّ ﷺ قال :" أيُّما امرىءٍ مُسْلِمٍ أعتقَ امْرأً مُسْلِماً، كان فَكَاكَهُ من النار، يَجْزِي كل عضو منه عضواً منه، وأيُّما امرأة مسلمة أعتقتْ امرأة مُسلمة، كانت فَكاكَها من النار، يجزي كل عضو منها عضواً منها " قال : هذا حديث حسن صحيح غريب.
وقيل : العقبة خلاصه من هول العَرْض.
وقال قتادة وكعب : هي نار دون الجسر.
وقال الحسن : هي والله عقبة شديدة : مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوّه الشيطان.
وأنشد بعضهم :
إني بُلِيتُ بأربعٍ يَرْميننَي...
بالنَّبْل قد نَصَبوا عليّ شِراكا
إبليسُ والدنيا ونفسي والهوَى...
من أين أرجو بينهن فَكاكا
يا ربِّ ساعدني بعفوٍ إنني...
أصبحت لا أرجو لهن سِواكا
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢)
فيه حذف ؛ أي وما أدراك ما اقتحام العقبة.
وهذا تعظيم لالتزام أمر الدين ؛ والخطاب للنبيّ ﷺ، ليعلمه اقتحام العقبة.
قال القشيريّ : وحمل العقبة على عَقَبة جَهنم بعيد ؛ إذ أحد في الدنيا لم يقتحم عقبة جهنم ؛ إلا أن يحمل على أن المراد فهلاَّ صَيَّر نفسه بحيث يمكنه اقتحام عقبة جهنم غداً.
واختار البخارِيّ قول مجاهد : إنه لم يقتحم العقبة في الدنيا.
قال ابن العربيّ :"وإنما اختار ذلك لأجل أنه قال بعد ذلك في الآية الثانية :﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا العقبة ﴾ ؟ ثم قال في الآية الثالثة :﴿ فَكُّ رَقَبَةٍ ﴾، وفي الآية الرابعة ﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴾، ثم قال في الآية الخامسة :﴿ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ ﴾، ثم قال في الآية السادسة :﴿ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾ ؛ فهذه الأعمال إنما تكون في الدنيا.


الصفحة التالية
Icon