والخلاف في ذلك أيضاً بين فقهاء الأمصار فذهب أبو حنيفة أن من كان من أهل داخل المواقيت يجوز له دخول مكة بغير إحرام إن لم يُرِد نسكاً من حج أو عمرة، وأما من كان مِن أهل خارج المواقيت فالواجب عليه الإِحرام لدخول مكة دون تفصيل بين الاحتياج إلى تكرر الدخول أو عدم الاحتياج.
وذهب الشافعي إلى سقوط الإِحرام عن غير قاصد النسك، ومذهب أحمد موافق مذهب مالك.
وحكى ابن عطية عن بعض المتأولين : أن معنى ﴿ وأنت حل بهذا البلد ﴾ أنه حَال، أي ساكن بهذا البلد أ هـ.
وجعله ابن العربي قولاً ولم يَعزُه إلى قائل، وحكاه القرطبي والبيضاوي كذلك وهو يقتضي أن تكون جملة ﴿ وأنت حلّ ﴾ في موضع الحال من ضمير ﴿ أقسم ﴾ فيكون القسم بالبلد مقيداً باعتبار كونه بلَد محمد ﷺ وهو تأويل جميل لو ساعد عليه ثبوت استعمال ﴿ حِلّ ﴾ بمعنى : حَالّ، أي مقيم في مكانٍ فإن هذا لم يرد في كتب اللغة :"الصَحاحِ" و"اللسانِ" و"القاموسِ" و"مفرداتتِ الراغب".
ولم يعرج عليه صاحب "الكشاف"، ولا أحسب إعراضه عنه إلا لعدم ثقته بصحة استعماله، وقال الخفاجِي : والحِلّ : صفة أو مصدر بمعنى الحَال هنا على هذا الوجه ولا عبرة بمن أنكره لِعدم ثبوته في كتب اللغة" أ هـ وكيف يقال : لا عبرة بعدم ثبوته في كتب اللغة، وهل المَرجع في إثبات اللغة إلاّ كتب أيمتها.
وتكرير لفظ ﴿ بهذا البلد ﴾ إظهار في مقام الإِضمار لقصد تجديد التعجيب.
ولقصد تأكيد فتح ذلك البلد العزيز عليه والشديد على المشركين أن يَخْرُج عن حوزتهم.
و﴿ والد ﴾ وقع منكراً فهو تنكيرَ تعظيم إذ لا يحتمل غير ذلك في سياق القسم.
فتعين أن يكون المرادَ والداً عظيماً، والراجح عمل والد على المعنى الحقيقي بقرينة قوله ﴿ وما ولد ﴾.