ولما افتتح بذكر آية النهار، أتبعه ذكر آية الليل فقال :﴿والقمر﴾ أي المكتسب من نورها كما أن أنوار النفوس من أنوار العقول ﴿إذا تلاها﴾ أي تبعها في الاستدارة والنور بما دل على أن نوره من نورها من القرب الماحق لنوره والبعد المكتسب له في مقدار ما يقابلها من جرمه، ولا يزال يكثر إلى أن تتم المقابلة فيتم النور ليلة الإبدار عند تقابلهما في أفق الشرق والغرب، ومن ثم يأخذ في المقاربة فينقص بقدر ما ينحرف عن المقابلة، ونسبة التبع إليه مجازية أطلقت بالنسبة إلى ما ينظر منه كذلك.
ولما ذكر الآيتين، ذكر ما هما آيتاه، وبدا بهما لأنه لا صلاح له إلا بهما كما أنه لا صلاح للبدن إلا بالنفس والعقل فقال :﴿والنهار﴾ أي الذي هو محل الانتشار فيما جرت به الأقدار ﴿إذا جلاها﴾ أي جلى الشمس بحلية عظيمة بعضها أعظم من بعض باعتبار الطول والقصر والصحو والغيم والضباب والصفاء والكدر كما أن الأبدان تارة تزكي القلوب والنفوس والعقول وتارة تدنسها، لأن العقل يكون في غاية الصفاء والدعاء إلى الخير في حال الصغر ثم لا يزال يزيد وينقص بحسب زكاء البدن في حسن الجبلة، أو نجاسته بسوء الجبلة، حتى يصير الشخص نوراً محضاً ملكاً ناطقاً إذا طابق البدن العقل فتعاونا على الخير، أو يصير ظلاماً بحتاً شيطاناً رجيماً إذ خالف البدن العقل بسوء الجبلة وشرارة الطبع.


الصفحة التالية
Icon