﴿ابتغاء وَجْهِ رَبّهِ﴾ مستثنى من غير جنسه وهو النعمة أي ما لأَحد عنده نعمة إلا ابتغاء وجه ربه كقولك ما في الدار أحداً إلا حماراً، وذكر الفراء فيه وجهاً آخر وهو أن يضمر الإنفاق على تقدير : ما ينفق إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، كقوله :﴿وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابتغاء وَجْهِ الله﴾ [ البقرة : ٢٧٢ ].
المسألة الثانية :
اعلم أنه تعالى بين أن هذا : الأَتقى الذي يؤتي ماله يتزكى لا يؤتيه مكافأة على هدية أو نعمة سالفة، لأن ذلك يجري مجرى أداء الدين، فلا يكون له دخل في استحقاق مزيد الثواب بل إنما يستحق الثواب إذا فعله، لأجل أن الله أمره به وحثه عليه.
المسألة الثالثة :
المجسمة تمسكوا بلفظة الوجه والملحدة تمسكوا بلفظة ﴿رَبّهِ الاعلى﴾ وإن ذلك يقضي وجود رب آخر، وقد تقدم الكلام على كل ذلك.
المسألة الرابعة :
ذكر القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب " الإمامة "، فقال : الآية الواردة في حق علي عليه السلام :﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً﴾ [ الإنسان : ١٠ ٩ ] والآية الواردة في حق أبي بكر :﴿إِلاَّ ابتغاء وَجْهِ رَبّهِ الأعلى * وَلَسَوْفَ يرضى﴾ فدلت الآيتان على أن كل واحد منهما إنما فعل ما فعل لوجه الله إلا أن آية علي تدل على أنه فعل ما فعل لوجه الله، وللخوف من يوم القيامة على ما قال :﴿إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً﴾ وأما آية أبي بكر فإنها دلت على أنه فعل ما فعل لمحض وجه الله من غير أن يشوبه طمع فيما يرجع إلى رغبة في ثواب أو رهبة من عقاب، فكان مقام أبي بكر أعلى وأجل.
المسألة الخامسة :


الصفحة التالية
Icon