أن الحصر حيث كانت الآية واردة للموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين ادعائي مبالغة لا حقيقي كان غير هذا الأشقى غير صال وغير هذا الأتقى غير مجنب بالكلية واستحسنه في الكشف فقال هو معنى حسن وأنت تعلم أن مبني ما قاله على الاعتزال وتخليد العصاة في النار وقال القاضي إن قوله تعالى ﴿ لا يصلاها ﴾ [ الليل : ١٥ ] لا يدل على أنه تعالى لا يدخل النار إلا الكافر كما يقول المرجئة وذلك لأنه تعالى نكر النار فيها فالمراد أن ناراً من النيران لا يصلاها إلا من هذه حاله والنار دركات على ما علم من الآيات فمن أين عرف أن هذه النار لا يصلاها قوم آخرون وتعقبه الزمخشري بأنه ما يصنع عليه بقوله تعالى وسيجنبها الاتقى فقد علم أن أفسق المسلمين يجنب تلك النار المخصوصة لا الاتقي منهم خاصة وأجيب بأنه لعل هذها القائل لا يقول بمفهوم الصفة ونحوها فلا تفيد الآية المذكورة عنده الحصر ويكون تمييز هذا الاتقى عنده بمجموع التجنب وما سيذكر بعد ولعل كل من لا يقول بالمفهوم لا يشكل عليه الأمر إلا أمر الحصر في لإيصالها الخ فإنه كالنص في بادىء النظر فيما يدعيه المرجئة لحملهم الصلى فيه على مطلق الدخول وأيدوه بما أخرج الإمام أحمد وابن ماجه وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" لا يدخل النار إلا من شقى قيل ومن الشقي قال الذي لا يعمل لله تعالى طاعة ولا يترك لله تعالى معصية " وهذا الخبر ونحوه من الأخبار مما يستندون إليه في تحقيق دعواهم وأهل السنة يؤولون ما صح من ذلك للنصوص الدالة على تعذيب بعض ممن ارتكب الكبيرة على ما بين في موضعه وقيل في الجواب أن المراد بالاشقى والاتقى الشقي والتقي وشاع أفعل في مثل ذلك ومنه قول طرفة
تمنى رجال أن أموت فإن أمت...
فتلك سبيل لست فيها بأوحد


الصفحة التالية
Icon