[ النساء : ٤٨ ] فلو كان كلّ من لم يشرك لم يعذب لم يكن في قوله :﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ﴾ فائدة.
وقال في الكشاف : الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين، وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين.
فقيل : الأشقى، وجعل مختصاً بالصلي كأن النار لم تخلق إلاّ له.
وقيل : الأتقى، وجعل مختصاً بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلاّ له، وقيل : المراد بالأشقى أبو جهل، أو أمية بن خلف، وبالأتقى : أبو بكر الصدّيق، ومعنى :﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الأتقى ﴾ سيباعد عنها المتقي للكفر اتقاء بالغاً.
قال الواحدي : الأتقى أبو بكر الصدّيق في قول جميع المفسرين انتهى، والأولى حمل الأشقى والأتقى على كل متصف بالصفتين المذكورتين، ويكون المعنى أنه لا يصلاها صلياً تاماً إلاّ الكامل في الشقاء، وهو الكافر، ولا يجنبها ويبعد عنها تبعيداً كاملاً بحيث لا يحوم حولها فضلاً عن أن يدخلها إلاّ الكامل في التقوى، فلا ينافي هذا دخول بعض العصاة من المسلمين النار دخولاً غير لازم، ولا تبعيد بعض من لم يكن كامل التقوى عن النار تبعيداً غير بالغ مبلغ تبعيد الكامل في التقوى عنها.
والحاصل أن من تمسك من المرجئة بقوله :﴿ لاَ يصلاها إِلاَّ الأشقى ﴾ زاعماً أن الأشقى الكافر ؛ لأنه الذي كذب وتولى، ولم يقع التكذيب من عصاة المسلمين، فيقال له : فما تقول في قوله :﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الاتقى ﴾ فإنه يدلّ على أنه لا يجنب النار إلاّ الكامل في التقوى، فمن لم يكن كاملاً فيها كعصاة المسلمين لم يكن ممن يجنب النار.
فإن أوّلت الأتقى بوجه من وجوه التأويل لزمك مثله في الأشقى، فخذ إليك هذه مع تلك، وكن كما قال الشاعر :
على أنني راض بأن أحمل الهوى... وأخرج منه لا عليّ ولا ليه
وقيل : أراد بالأشقى، والأتقى الشقيّ، والتقيّ، كما قال طرفة بن العبد :
تمنى رجال أن أموت وإن أمت... فتلك سبيل لست فيها بأوحد


الصفحة التالية
Icon