فأتانا رسول اللّه فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة (عصى رفيعة في رأسها مثل الهلال) فنكس وجعل ينكت (يضرب الأرض) بمخصرته ثم قال : ما منكم أحد إلّا قد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة.
زاد مسلم (١) : إلا وقد كتبت شقية أو سعيدة (وفي روايته بدل أحد نفس.
فقالوا يا رسول اللّه : أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ فقال : اعملوا فكل ميسّر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فيعد لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فيعدّ لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ :(فَأَمَّا مَنْ أَعْطى ) إلى (لِلْيُسْرى ).
وفي هذا دليل أهل السنة في القدر وصحة قولهم فيه وان التوفيق والخذلان والسعادة والشقاوة بيد اللّه يسرها لمن يشاء من عباده ووجوب العمل للمرء بما سبق له في الأزل ويستدل على الإنسان من أي الفريقين هو بعمله، فإذا عمل عمل أهل السعادة من البرّ والتقوى فهو من أهل الجنة أزلا، وان عمل عمل أهل الشقاوة من الشر والعصيان فهو من أهل النار، وعمل كل دليل عليه مطلب قوة إيمان بلال :
نزلت هذه الآية في أبي بكر رضي اللّه عنه لما اشترى بلال بن رياح بن حمامة من أمية بن خلف ببردة وعشرة أواق فأعتقه لأنه كان صادق الإسلام طاهر القلب، وكان أمية يعذبه فيبطحه بالشمس إذا حميت على ظهره ثم يضع الصخرة الحامية العظيمة على صدره ويقول له : لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد، فيقول وهو في تلك الحالة : أحد أحد، بالتخفيف أي اللّه واحد، وبالتشديد أي لا تشرك مع اللّه أحدا.
فمر به أبو بكر يوما وهم يصنعون به ذلك فقال لأمية ألا تتقي اللّه في هذا المسكين، قال : أنت أفسدته فأنقذه مما ترى، فقال : عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى وهو على دينك أعطيكه، قال : قد فعلت، فأعطاه أبو بكر غلامه وأخذ بلالا وأعتقه وأعتق ست رقاب معه.
________
(١) (قوله زاد مسلم إلخ) حديث مسلم «ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب اللّه مكانها من الجنة والنار وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة» إلخ.


الصفحة التالية
Icon