والرذائل بالضد حتى تصير النفس من الكسل بحيث لا تواتي صاحبها إلا في مواجب الكسل وجذب الراحات العاجلة كقوله ﴿ وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ﴾ [ البقرة : ٤٥ ] ﴿ وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ﴾ [ النساء : ١٤٨ ] ويقرب مما ذكرنا قول القفال : كل ما أدت عاقبته إلى يسر وراحة وأمور محمودة فإن ذلك من اليسرى وذلك وصف كل الطاعات، وكل ما أدّت عاقبته إلى عسر وتعب فهو من العسرى وذلك وصف كل المعاصي، ومن جملة اليسرى الجنة ومن جملة العسرى النار. استدل بعض الأشاعرة بقوله ﴿ فسنيسره للعسرى ﴾ على أنه تعالى قد يخلق القبائح في المكلف ويقوي دواعيه على فعلها. والمعتزلة عبروا عن هذا التيسير بالخذلان وعن الأول بمنح الألطاف والتوفيق. ثم وبخ هذا الكافر بقوله ﴿ وما يغني عنه ماله ﴾ وهو استفهام في معنى النفي أي لا ينفعه ماله الذي بخل به ﴿ إذا تردّى ﴾ أي مات من الردى وهو الهلاك. ويجوز أن يكون من قولهم " تردّى من الجبل " أي تردّى من الحفرة في القبر أو في قعر جهنم. استدل المعتزلة بقوله ﴿ إن علينا للهدى ﴾ على أنه تعالى أزاح الأعذار وما كلف المكلف إلا ما في سعته وطاقته، وعلى أنه يجب على الله الهداية، وعلى أن العبد لو لم يكن مستقلاً بالإيجاد لما كان في وضع الدلائل فائدة. وأجوبة أهل السنة عن المسائل الثلاث معلومة. ونقل الواحدي عن الفراء وجهاً آخر وهو أن المراد إن علينا للهدى والإضلال فاقتصر كقوله ﴿ سرابيل تقيكم الحر ﴾ [ النحل : ٨١ ] وأكدوا ذلك بما روي عن ابن عباس في رواية عطاء أن معنى الآية أرشد أوليائي إلى العمل بطاعتي وأحول بين أعدائي أن يعملوا بطاعتي. ثم بين بقوله ﴿ وإن لنا للآخرة والأولى ﴾ أن لله كل ما في الدنيا والآخرة فلا يضره عصيان العاصين ولا ينفعه طاعة المطيعين، وإنما يعود ضره أو نفعه إليهم. ويمكن أن يراد أن سعادة الدارين تتعلق بمشيئته وإرادته فيعطي الهداية من يشاء ويمنعها من يشاء. والأول أوفق


الصفحة التالية
Icon