وأما الكلام في الأتقى فنقول : إنه لا يلزم من تخصيصه بالذكر نفي ما عداه. قال جار الله : هذا الكلام وارد على سبيل المبالغة فجعل الأشقى مختصاً بالصلى كأن النار لم تخلق إلا له، وجعل الأتقى مختصاً بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلا له. وقوله ﴿ يتزكى ﴾ أي يطلب أن يكون عند الله زاكياً، أو هو من الزكاة لا محل له لأنه بدل من ﴿ يؤتى ﴾ والصلة لا محل لها لأنها كبعض الكلمة، أو هو منصوب المحل على الحال. قال بعض المفسرين : إن بلالاً كان يعذب في الله وهو يقول أحد أحد، فسمع بذلك أبو بكر فحمل رطلاً من ذهب فابتاعه به فقال المشركون : ما فعل ذلك أبو بكر إلا ليد كانت لبلال عنده فنزل ﴿ وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء ﴾ قال أكثر النحويين : هذا الاستثناء منقطع لأن الابتغاء ليس من جنس النعمة. وقال الفراء : وهو مفعول له من ﴿ يؤتى ﴾ على المعنى أي لا ينفق ماله إلا ابتغاء رضوان الله لا لمكافأة نعمة ﴿ ولسوف يرضى ﴾ عن الله أو يرضى الله عنه فيكون راضياً مرضياً. واعلم أن بعض الشيعة زعموا أن السورة نزلت في عليّ رضي الله عنه لقوله ﴿ يتزكى ﴾ لأنه قال في موضع آخر ﴿ ويؤتون الزكاة وهم راكعون ﴾ [ المائدة : ٥٥ ] وقال بعض أهل السنة : إنها تدل على أفضلية أبي بكر لأنه قال في وصف عليّ وسائر أهل البيت رضي الله عنهم ﴿ ويطعمون الطعام ﴾ إلى قوله ﴿ إنا نخاف ﴾ [ الدهر : ٨، ١٠ ] وذكر في صفة أبي بكر أنه لا ينفق إلا لوجه الله من غير شائبة رغبة أو رهبة، وهذا المقام أعلى وأجل. وعندي أن أمثال هذه الدلائل لا تصلح لترجيح أكابر الصحابة بعضهم على بعض، وأن نزول هذه السورة في الشخص الفلاني مبني على الرواية فلا سبيل للاستدلال إليه، وإليه المرجع والمآب والله أعلم. أ هـ ﴿غرائب القرآن حـ ٦ صـ ٥١٠ ـ ٥١٣﴾