﴿ إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى ﴾ أي : لكن يؤتيه ابتغاء وجه ربه وطلب مرضاته. لا لغرض آخر من مكافأة أو محمدة أو سمعة. وفي حصر ﴿ الْأَتْقَى ﴾ بالمنقق، على الشريطة المذكورة، عناية عظيمة به، وترغيب شديد في اللحاق به، كيف لا ؟ وبالمال قوام الأعمال، ورفع مباني الرشاد وهدم صروح الفساد. وقوله تعالى :﴿ وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾ قال ابن جرير : أي : ولسوف يرضى هذا المؤتي ماله في حقوق الله عز وجل، يتزكى بما يثيبه الله في الآخرة عوضاً مما أتى في الدنيا في سبيله إذا لقي ربه تبارك وتعالى ؛ ففيه وعد كريم بنيل جميع ما يبتغيه على أكمل الوجوه وأجملها، إذ به يتحقق الرضا. وهذا على أن ضمير ﴿ يَرْضَى ﴾ لـ ﴿ الْأَتْقَى ﴾ لا للرب. قال الشهاب : وهو الأنسب بالسياق واتساق الضمائر.
وذهب بعضهم إلى الثاني، ومنهم الإمام، قال : أي : ولسوف يرضى الله عن ذلك الأتقى الطالب بصفة رضاه، ثم قال : والتعبير بـ سوف ؛ لإفادة أن الرضا يحتاج إلى بذل كثير، ولا يكفي القليل من المال، لأن يبلغ العبد درجة الرضا الإلهيّ.
تنبيه :
قال ابن كثير : ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الايات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك. ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها ؛ فإن اللفظ لفظ العموم وهو قوله تعالى :
﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَ ى *الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى﴾