(إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى. فأنذرتكم نارا تلظى، لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى. وسيجنبها الأتقى، الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى)..
لقد كتب الله على نفسه - فضلا منه بعباده ورحمة - أن يبين الهدى لفطرة الناس ووعيهم. وأن يبينه لهم كذلك بالرسل والرسالات والآيات، فلا تكون هناك حجة لأحد، ولا يكون هناك ظلم لأحد:(إن علينا للهدى)..
واللمسة الثانية هي التقرير الجازم لحقيقة السيطرة التي تحيط بالناس، فلا يجدون من دونها موئلا:(وإن لنا للآخرة والأولى).. فأين يذهب من يريد أن يذهب عن الله بعيدا ؟!
وتفريعا على أن الله كتب على نفسه بيان الهدى للعباد، وأن له الآخرة والأولى داري الجزاء والعمل. تفريعا على هذا يذكرهم أنه أنذرهم وحذرهم وبين لهم:(فأنذرتكم نارا تلظى).. وتتسعر.. هذه النار المتسعرة(لا يصلاها إلا الأشقى).. أشقى العباد جميعا. وهل بعد الصلي في النار شقوة ؟ ثم يبين من هو الأشقى. إنه:(الذي كذب وتولى).. كذب بالدعوة وتولى عنها. تولى عن الهدى وعن دعوة ربه له ليهديه كما وعد كل من يأتي إليه راغبا.
(وسيجنبها الأتقى).. وهو الأسعد في مقابل الأشقى.. ثم يبين من هو الأتقى:(الذي يؤتي ماله يتزكى).. الذي ينفق ماله ليتطهر بإنفاقه، لا ليرائي به ويستعلي. ينفقه تطوعا لا ردا لجميل أحد، ولا طلبا لشكران أحد، وإنما ابتغاء وجه ربه خالصا.. ربه الأعلى..
(وما لأحد عنده من نعمة تجزى. إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى)..
ثم ماذا ؟ ماذا ينتظر هذا الأتقى، الذي يؤتي ماله تطهرا، وابتغاء وجه ربه الأعلى ؟ إن الجزاء الذي يطالع القرآن به الأرواح المؤمنة هنا عجيب. ومفاجئ. وعلى غير المألوف.
(ولسوف يرضى).