وعلى قراءة : والذكر والأنثى. يكون القسم بالمخلوق كالليل والنهار، لما في الخلق من قدرة الخالق أيضاً، وعلى أنها بمعنى الذي يكون القسم بالخالق سبحانه، وتكون ما هنا مثل في قوله :﴿ والسمآء وَمَا بَنَاهَا ﴾ [ الشمس : ٥ ]، وغاية ما فيه استعمالها وهي في الأصل لغير أولي العلم، إلا أنها لوحظ فيها معنى الصفة، وهي صفة الخلق أو على ما تستعمله العرب عند القرينة، كقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ ﴾ [ النساء : ٢٢ ]، وقوله :﴿ فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء ﴾ [ النساء : ٣ ]، لما لوحظ فيه معنى الصفة وهو الاستمتاع، ساغ استعمال ما بدلاً عمن.
وفي اختصاص خلق الذكر والأنثى في هذا المقام لفت نظر إلى هذه الصفة، لما فيها من إعجاز البشر عنها، كما في الليل والنهار من الإعجاز للبشر من أن يقدروا على شيء في خصوصه، كما قدمنا في السورة قبلها.
وذلك : أن أصل التذكير والتأنيث أمر فوق إدراك وقوى البشر، وهي كالآتي أولاً في الحيوانات الثديية، وهي ذوات الرحم تحمل وتلد، فإنها تنتج عن طريق اتصال الذكور بالإناث.
وتذكير الجنين أو تأنيثه ليس لأبويه ودخل فيه، إنه من نطفة أمشاج، أي أخلاط من ماء الأب والأم، وجعل هذا ذكراً وذاك أنثى، فهو هبة من الله كما في قوله :﴿ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذكور أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [ الشورى : ٤٩-٥٠ ].
وقد ثبت علمياً أن سبب التذكير والتأنيث من جانب الرجل، أي أن المرأة صالح لهذا وذاك، وماء الرجل هو الذي يكون عن طريقه، كما أشارت إليه الآية الكريمة ﴿ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٢٣ ]، والحرث لا يتصرف في الزرع، وإنما التصرف عن طريق الحارث.