ولابد في هذه الإجابة من ثلاثة أشياء: نفس مستعدة قابلة لا تعوز إلا الداعي ودعوة مستمعة وتخلية الطريق من المانع فما انقطع من انقطع إلا من جهة من هذه الجهات الثلاث وقوله: طوعا أو كرها يشير إلى المجذوب المختطف من نفسه والسالك إرادة واختيارا ومجاهدة قال: وهي على ثلاث درجات الدرجة الأولى: ذهاب عن العادات بصحة العلم والتعلق بأنفاس السالكين مع صدق القصد وخلع كل شاغل من الإخوان ومشتت من الأوطان هذا يوافق من حد الإرادة بأنها: مخالفة العادة وهي ترك عوائد النفس وشهواتها ورعوناتها وبطالاتها ولا يمكن ذلك إلا بهذه الأشياء التي أشار إليها وهي: صحبة العلم ومعانقته فإنه النور الذي يعرف العبد مواقع ما ينبغي إيثار طلبه وما ينبغي إيثار تركه فمن لم يصحبه العلم: لم تصح له إرادة باتفاق كلمة الصادقين ولا عبرة بقطاع الطريق وقال بعضهم: متى رأيت الصوفي والفقير يقدح في العلم فاتهمه على الإسلام
ومنها: التعلق بأنفاس السالكين ولا ريب أن كل من تعلق بأنفاس قوم انخرط في مسلكهم ودخل في جماعتهم وقال: أنفاس السالكين ولم يقل: أنفاس العابدين فإن العابدين من شأنهم القيام بالأعمال وشأن السالكين مراعاة الأحوال وقوله: مع صدق القصد يكون بأمرين أحدهما: توحيده والثاني: توحيد المقصود فلا يقع في قصدك قسمة ولا في مقصودك وقوله: وخلع كل شاغل من الإخوان: ومشتت من الأوطان يشير إلى ترك الموانع والقواطع العائقة عن السلوك: من صحبة الأغيار والتعلق بالأوطان التي ألف فيها البطالة والنذالة فليس على المريد الصادق أضر من عشرائه ووطنه القاطعين له عن سيره إلى الله تعالى فليغترب عنهم بجهده والله سبحانه وتعالى أعلم

فصل قال: الدرجة الثانية: تقطع بصحبة الحال وترويح الأنس والسير



الصفحة التالية
Icon