من لطائف الإمام القشيرى فى السورة الكريمة
قال عليه الرحمة :
سورة الليل
قوله جل ذكره :( بسم الله الرحمن الرحيم )
" بسم الله " تخبر عن إلهية الله، وهي استحقاقه لنعوت المجد والتوحد، وصفات العز والتفرد، فمن تجرد في طلبه عن الكسل، ولم يستوطن مركب العجز والفشل، ووضع النظر موضعه وصل بدليل العقل إلى عرفانه ومن بذل روحه ونفسه شهود سلطاتنه، والناس فيه بين موفق ومخذول، أو مؤيد ومردود.
قوله جل ذكره :﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾.
يغشى الأفقَ، وما بين السماء والأرض فيستره بظُلْمتِه.
والليلِ لأصحاب التحيُّر يستغرِق جميعَ أقطار أفكارهم فلا يهتدون الرشد.
﴿ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ﴾.
أنارَ وَظَهرَ، ووَضح وأسفر.
ونهارٌ أهلِ العرفان بضياء قلوبهم وأسرارهم، حتى لا يَخْفَى عليهم شيءٌ، فسكنوا بطلوعِ الشمس عن تكلُّف إيقاد السراجِ.
﴿ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأُنثَى ﴾.
أي :" من " خَلَقَ الذكر والأنثى ؛ وهو الله سبحانه :
﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾.
هذا جوالُ القَسَم، والمعنى : إنَّ عملكم لمختلف ؛ فمنكم : مَنْ سَعْيُه في طلب دنياه، ومنكم مَنْ سعيهُ في شهواتِ نَفْسِه واتباع هواه، ومنكم مَنْ سعيهُ في شهواتِ، ومنكم مَنْ في طَلَبِ جاهِه ومُناه، وآخر في طلب عقباه، وآخر في تصحيح تقواه، وآخر في تصفية ذكراه، وآخر في القيام بحُسْنِ رضاه، وآخر في طلب مولاه.
ومنكم : من يجمع بين سعي النّفْس بالطاعة، وسَعْي القلب بالإخلاص، وسعي البَدَن بالقُرَب، وسعي اللسان بذكر الله، والقول الحَسَنِ للناس، ودعاء الخَلْقِ إلى الله والنصيحة لهم.
ومنهم مَنْ سعيُه في هلاكِ نَفْسِه وما فيه هلاك دنياه.. ومنهم.. ومنهم.
قوله جل ذكره :﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾.
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى ﴾ من مالِه، ﴿ وَاتَّقَى ﴾ مخالفةَ ربِّه..


الصفحة التالية
Icon