والتجلّي : الوضوح، وتجلي النهار : وضوح ضيائه، فهو بمعنى قوله :﴿ والشمس وضحاها ﴾ [ الشمس : ١ ] وقوله :﴿ والضحى ﴾ [ الضحى : ١ ].
وأشير إلى أن ظلمة الليل كانت غالبة لضوء النهار وأن النهار يعقبها والظلمةُ هي أصل أحوال أهل الأرض وجميع العوالم المرتبطة بالنظام الشمسي وإنما أضاءت بعد أن خلق الله الشمس ولذلك اعتبر التاريخ في البدء بالليالي ثم طَرأ عليه التاريخ بالأيام.
والقول في تقييد الليل بالظرف وتقييد النهار بمثله كالقول في قوله :﴿ والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها في السورة السابقة ﴾ [ الشمس : ٣، ٤ ].
و﴿ ما ﴾ في قوله :﴿ وما خلق الذكر والأنثى ﴾ مصدرية أقسم الله بأثر من آثار قدرته وهو خلق الزوجين وما يقتضيه من التناسل.
والذكر والأنثى : صنفا أنواع الحيوان.
والمراد : خصوص خلق الإنسان وتكونه من ذكر وأنثى كما قال تعالى :﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ﴾ [ الحجرات : ١٣ ] لأنه هو المخلوق الأرفع في عالم الماديات وهو الذي يدرك المخاطَبون أكثرَ دقائقه لتكرره على أنفسهم ذُكورهم وإناثهم بخلاف تكوّن نسل الحيوان فإن الإنسان يدرك بعض أحواله ولا يُحصي كثيراً منها.
والمعنى : وذلك الخلققِ العجيب من اختلاف حالي الذكورة والأنوثة مع خروجهما من أصل واحد، وتوقف التناسل على تزاوجهما، فالقسم بتعلققٍ مِن تعلققِ صفات الأفعال الإلهية وهي قِسْم من الصفات لا يُختلف في ثبوته وإنما اختلَف علماء أصول الدين في عدّ صفات الأفعال من الصفات فهي موصوفة بالقدم عند الماتريدي، أو جَعْلِها من تعلق صفة القدرة فهي حادثة عند الأشعري، وهو آيل إلى الخلاف اللفظي.
وقد كان القسم في سورة الشمس بتسوية النفس، أي خلق العقل والمعرفة في الإِنسان، وأما القَسَم هنا فبِخلق جسد الإِنسان واختلاف صنفيه، وجملة :﴿ إن سعيكم لشتى ﴾ جوابُ القسم.


الصفحة التالية
Icon